الشاعر المقبور – محمد مهدي الجواهري

دعا الموت فاستحلت لديه سرائره … اخو مورد ضاقت عليه مصادره

عراه سكوت فاسترابت عداته … وما هو إلا شاعر كل خاطره

وحيدًا يحامي عن مبادئ جمة … اما في البرايا منصف فيوازره

تفرد بالشكوى فاسعده البكا … لقد ذل من فيض المدامع ناصره

يهم يبث النجم سراً فينثني … كأن رقيباً في الدراري يحاذره

وتنطقه الشكوى فيخرسه الأسى … فيسكت لاحيه إذا جد عاذره

يروم محالاً أن يرى عيش ما جد … أوائله محمودة وأواخره

فؤادي وإن ضاق الفضا عنه فسحة … فلابد أن تحويه يوماً مقابره

فؤادي وكم فيه انطوت لي سريرة … عظيماً أرى يبلى وتبلى سرائره

سيحمل همي عند منزل وحدتي … وتصبح آمالي طوتها ضمائره

فيا طير لا تسجع ويا ريح سكني … هبوبا على جسمي ليسكن ثائره

ويا منزل الأجداث رحمة مشفق … عليه ففيك اليوم قرت نواظره

ويا بدر من سامرته وجدك انقضى … فمن لك بعد اليوم خل تسامره؟

عساك إذا ضاقت بصدرك فرجة … تطالعه في رمسه فتذاكره

ويا خلة الباكي عليه تصنعاً … ألم تك قبل اليوم ممن يغايره؟

تحمل ما ينأى فشاطره الردى … فما ضر لو كانت الرزايا تشاطره

ويا غاضبا قلبي لترقيق حره … سراحاً فقد دارت عليه دوائره

دعا بك يستشفي فاغضيت فانطوى … وما فيه إلا الهجر داء يخامره

أمن بعدد ما وسدته بت جازعاً … إذا مات مهجوراً فلا رق هاجره

فيا ظلمة الآمال عني تقشعي … فقد تتجلى عن فؤادي دياجره