إن يكن صبر ذي الرزيئة فضلا – المتنبي

إنْ يكُنْ صَبرُ ذي الرّزيئَةِ فَضْلا … تكُنِ الأفضَلَ الأعَزّ الأجَلاّ

أنتَ يا فوْقَ أنْ تُعَزّى عنِ الأحـ … ـبابِ فوْقَ الذي يُعزّيكَ عَقْلا

وَبألفاظِكَ اهْتَدَى فإذا عَزّ … اكَ قَالَ الذي لَهُ قُلتَ قَبْلا

قَدْ بَلَوْتَ الخُطوبَ مُرّاً وَحُلْواً … وَسَلَكتَ الأيّامَ حَزْناً وَسَهْلا

وَقَتَلْتَ الزّمانَ عِلْماً فَمَا يُغْـ … رِبُ قَوْلاً وَلا يُجَدِّدُ فِعْلا

أجِدُ الحُزْنَ فيكَ حِفْظاً وَعَقْلاً … وَأرَاهُ في النّاسِ ذُعراً وجَهْلا

لَكَ إلْفٌ يَجُرّهُ وَإذا مَا … كرُمَ الأصْلُ كانَ للإلْفِ أصلا

وَوَفَاءٌ نَبَتَّ فيهِ وَلَكِنْ … لم يَزَلْ للوَفَاء أهْلُكَ أهْلا

إنّ خَيرَ الدّمُوعِ عَوْناً لَدَمْعٌ … بَعَثَتْهُ رِعايَةٌ فاسْتَهَلاّ

أينَ ذي الرِّقّةُ التي لَكَ في الحَرْ … بِ إذا استُكرِهَ الحَديدُ وَصَلاّ

أينَ خَلّفْتَهَا غَداةَ لَقِيتَ الـ … ـرّومَ وَالهَامُ بالصّوارِمِ تُفْلَى

قاسَمَتْكَ المَنُونُ شَخْصَينِ جوْراً … جَعَلَ القِسْمُ نَفْسَهُ فيهِ عَدْلا

فإذا قِسْتَ ما أخَذْنَ بمَا غَا … دَرْنَ سرّى عَنِ الفُؤادِ وَسَلّى

وَتَيَقّنْتَ أنّ حَظّكَ أوْفَى … وَتَبَيّنْتَ أنّ جَدّكَ أعْلَى

وَلَعَمْرِي لَقَدْ شَغَلْتَ المَنَايَا … بالأعادي فكَيفَ يَطلُبنَ شُغلا

وَكَمِ انتَشْتَ بالسّيُوفِ منَ الدهـ … ـرِ أسيراً وَبالنّوَالِ مُقِلاّ

عَدّها نُصرَةً عَلَيْهِ فَلَمّا … صَالَ خَتْلاً رَآهُ أدرَكَ تَبْلا

كَذَبَتْهُ ظُنُونُهُ، أنْتَ تُبْليـ … ـهِ وَتَبْقى في نِعْمَةٍ لَيسَ تَبْلَى

وَلَقَدْ رَامَكَ العُداةُ كَمَا رَا … مَ فلَمْ يجرَحوا لشَخصِكَ ظِلاّ

وَلَقَدْ رُمْتَ بالسّعادَةِ بَعْضاً … من نُفُوسِ العِدى فأدركتَ كُلاّ

قارَعَتْ رُمحَكَ الرّماحُ وَلَكِنْ … تَرَكَ الرّامحِينَ رُمحُكَ عُزْلا

لوْ يكونُ الذي وَرَدْتَ من الفَجْـ … ـعَةِ طَعناً أوْرَدْتَهُ الخَيلَ قُبْلا

وَلَكَشّفْتَ ذا الحَنينَ بضَرْبٍ … طالمَا كَشّفَ الكُرُوبَ وجَلّى

خِطْبَةٌ للحِمامِ لَيسَ لهَا رَدٌّ … وَإنْ كانَتِ المُسمّاةَ ثُكْلا

وَإذا لم تَجِدْ مِنَ النّاسِ كُفأً … ذاتُ خِدْرٍ أرَادَتِ المَوْتَ بَعلا

وَلَذيذُ الحَيَاةِ أنْفَسُ في النّفْـ … ـسِ وَأشهَى من أنْ يُمَلّ وَأحْلَى

وَإذا الشّيخُ قَالَ أُفٍّ فَمَا مَـ … ـلّ حَيَاةً وَإنّمَا الضّعْفَ مَلاّ

آلَةُ العَيشِ صِحّةٌ وَشَبَابٌ … فإذا وَلّيَا عَنِ المَرْءِ وَلّى

أبَداً تَسْتَرِدّ مَا تَهَبُ الدّنْـ … ـيَا فَيا لَيتَ جُودَها كانَ بُخْلا

فكفَتْ كوْنَ فُرْحةٍ تورِثُ الغمّ … وَخِلٍّ يُغادِرُ الوَجْدَ خِلاّ

وَهيَ مَعشُوقةٌ على الغَدْرِ لا تَحْـ … ـفَظُ عَهْداً وَلا تُتَمّمُ وَصْلا

كُلُّ دَمْعٍ يَسيلُ مِنهَا عَلَيْها … وَبِفَكّ اليَدَينِ عَنْها تُخَلّى

شِيَمُ الغَانِيَاتِ فِيها فَمَا أدْ … ري لذا أنّثَ اسْمَها النّاسُ أم لا

يا مَليكَ الوَرَى المُفَرِّقَ مَحْياً … وَمَمَاتاً فيهِمْ وَعِزّاً وَذُلاّ

قَلّدَ الله دَوْلَةً سَيْفُهَا أنْـ … ـتَ حُساماً بالمَكْرُماتِ مُحَلّى

فَبِهِ أغْنَتِ المَوَاليَ بَذْلاً … وَبِهِ أفْنَتِ الأعاديَ قَتْلا

وَإذا اهْتَزّ للنّدَى كانَ بَحراً … وَإذا اهْتَزّ للرّدَى كان نَصْلا

وَإذا الأرْضُ أظلمتْ كانَ شَمساً … وَإذا الأرْضُ أمحَلَتْ كانَ وَبْلا

وَهوَ الضّارِبُ الكَتيبَةَ وَالطّعْـ … ـنَةُ تَغْلُو وَالضّرْبُ أغلى وَأغلَى

أيّهَا البَاهِرُ العُقُولَ فَمَا تُدْ … رَكُ وَصْفاً أتعَبْتَ فكري فمَهْلا

مَنْ تَعَاطَى تَشَبّهاً بِكَ أعْيَا … هُ وَمَنْ دَلّ في طَرِيقِكَ ضَلا

وَإذا ما اشتَهَى خُلُودَكَ داعٍ … قالَ لا زُلتَ أوْ ترَى لكَ مِثْلا