أعرفُكِ راحَ في عرفِ الرّياحِ؟ – ابن زيدون
أعرفُكِ راحَ في عرفِ الرّياحِ؟ … فهزّ، منَ الهوى ، عطفَ ارتياحي
وذكرُكِ ما تعرّضَ أمْ عذابٌ؟ … غصصتُ عليهِ بالعذبِ القراحِ
وهَلْ أنا مِنْكَ في نَشَواتِ شوْقٍ، … هفَتْ بالعَقْلِ، أو نشَواتِ راحِ؟
لعمرُ هواكِ ما وريَتْ زنادٌ، … لوَصْلٍ مِنكِ، طالَ لها اقتداحي
وكمْ أسقمْتِ، منْ قلبٍ صحيحٍ، … بِسُقمِ جُفُونِكِ المَرْضَى الصّحاحِ
متَى أخْفِ الغَرامَ يَصِفْهُ جِسمي … بألسنة ِ الضّنى الخرسِ، الفصاحِ
فَلَوْ أنّ الثّيابَ فُحِصْنَ عَنّي … خَفِيتُ خَفاءَ خَصْرِكِ في الوِشاحِ
للقِّينَا من الواشين، حتى … رضينَا الرُّسلَ أنفاسَ الرّياحِ
وربّ ظلامِ ليلٍ جنّ فوقي، … فَنُبْتِ، عَنِ الصّباحِ، إلى الصّباحِ
فَهلْ عَدَتِ العَفافَ هُنَاكَ نَفسي، … فديتُكِ، أو جنحتُ إلى الجناحِ؟
وكيفَ ألِجّ، لا يثْني عناني … رَشَادُ العَزْمِ عَنْ غَيّ الجِماحِ؟
ومنْ سرِّ ابنِ عبّادٍ دليلٌ، … بهِ بَانَ الفَسادُ مِنَ الصّلاحِ
هوَ الملكُ، الذي برّتْ، فسرّتْ … خِلالٌ مِنْهُ طاهِرَة ُ النّواحي
همامٌ خطّن بالهمَمِ السّوامي، … مِنَ العَلْياء في الخِططِ الفِسَاحِ
أغرُّ، إذا تجهَّمَ وجهُ دهرٍ، … تَبَلّجَ فِيهِ كالقَمَرِ اللِّيَاحِ
سَميعُ النّصْرِ لاسْتِعْداء جَارٍ؛ … أصمُّ الجودِ عنْ تفنيدِ لاحِ
ضرائبُ جهمة ٌ، في العتبِ تتْلى … بأخلاقٍ، لدَى العتبَى ، ملاحِ
إذا أرِجَ الثّناءُ الرَّوْعُ مِنْهَا، … فكمْ للمسكِ عنهُ منِ افتضاحِ
هوَ المبقي ملوكَ الأرضِ تدْمَى … قلوبُهُمُ، كأفواهِ الجراحِ
رآهُ اللهُ أجودَ بالعطايا؛ … وأطعنَ بالمكايدِ والرّماحِ
وَأفْرَسَ للمَنَابِرِ وَالمَذَاكِي؛ … وأبْهَى في البُرُودِ وفي السّلاحِ
وأمنعَهُمْ حمى عرضٍ مصونٍ؛ … وَأوْسَعَهُمْ ذُرَا مَالٍ مُباحٍ
فَراضَ لهُ الوَرى ، حتى تأدّتْ … إليهِ إتاوة ُ الحيّ اللَّقاحِ
لِمُعْتَضِدٍ بهِ أرْضاهُ سَعْياً، … فأقبلَ وجهَهُ وجهَ الفلاحِ
فَمَنْ قَاسَ المُلُوكَ إلَيهِ جَهْلاً، … كمنْ قاسَ النّجومَ إلى براحِ
وَمُعْتَقِدُ الرّياسَة ِ في سِوَاهُ، … كمعتقدِ النّبوّة ِ في سجاحِ
أبحرَ الجودِ، في يومِ العطايا، … وليثَ البأسِ، في يومِ الكفاحِ
لقَدْ سَفَرتْ، بعِلّتِك، اللّيالي … لَنَا عَنْ وَجْهِ حادِثَة ٍ وَقَاحِ
ألَسْتَ مُصِحّهَا مِنْ كُلّ داءٍ … وَمُبدِيَ حُسْنِ أوجُهِها الصِّباحِ؟
ولو كشَفتْ عنِ الصّفحاتِ، شامتْ … بروقَ الموتِ منْ بيضِ الصِّفَاحِ
وقاكَ اللهُ ما تخشَىن ووَالى … عليكَ بصنعِهِ المغْدَى المراحِ
فَلَوْ أنّ السّعادَة َ سوّغَتْنَا … تجارَتَها، الملثّة َ بالرَّباحِ
تجافَيْنَا عبيدَكَ عنْ نفوسٍ، … عَليكَ منَ الضّنى ، حَرّى شِحاحِ
تُهَنّأُ فِيكَ بِالبُرْء المُوَفّى ؛ … وتبهجُ منكَ بالألمِ المزاحِ
فدَيْتُكَ كمْ لعيني منْ سموٍّ، … لَدَيْكَ، وكَمْ لنَفسِي من طَماحِ
ألا هلْ جاء، منْ فارَقْتُ، أنّي … بساحاتِ المُنى رفلُ المراحِ؟
وأنّي، منْ ظلالِكَ، في زمانٍ … ندي الآصالِ، رقراقِ الضّواحي
تحيّيني بريحانِ التّحفّي؛ … وَتُصْبِحُني مُعَتَّقَهِ السّمَاحِ
فهَا أنَا قدْ ثملْتُ منَ الأيادي، … إذا اتّصلَ اغْتِبَاقي في اصْطِباحي
فإنْ أعجزْ، فإنّ النُّصحَ ثقفٌ، … وإنْ أشكرْ، فإنّ الشّكْرَ صاحِ
لمَا أكسَبتَ قدرِي منْ سناءٍ؛ … وَما لَقيْتَ سَعْيي مِنْ نَجَاحِ
لقدْ أنفذْتَ، في الآمالِ، حكمي؛ … وَأجْرَيْتَ الزّمانَ علَى اقْتِراحي
وهلْ أخشَى وقوعاً، دونَ حظٍّ، … إذا ما أثَّ رِيشُكَ مِنْ جَنَاحي؟
فما استسقيْتُ منْ غيمٍ جهامٍ؛ … ولا استورَيْتُ من زندٍ شحاحِ
وَواصَلَني جَمِيلُكَ، في مَغِيبي، … وَطالَعَني نَدَاكَ مَعَ انْتِزاحي
ولمْ أنفكّ، إذْ عدَتِ العوادي، … إليكَ رهينَ شوقٍ والتياحِ
فحسبي أنتَ، منْ مسدٍ لنعمَى ؛ … وَحَسْبُكَ بي بِشُكْرٍ وَامْتِداحِ