أسَلَّة ُ سيفٍ ، أم عَقيقة ُ بارِقِ – محمود سامي البارودي

أسَلَّة ُ سيفٍ ، أم عَقيقة ُ بارِقِ … أضاءت لَنا وهناً سَماوة َ بارِقِ ؟

لَوَى الرَّكْبُ أَعْنَاقاً إِلَيْهَا خَوَاضِعاً … بِزَفْرَة ِ مَحْزُونٍ، وَنَظْرَة ِ وَامِقِ

وفى حَركاتِ البَرقِ لِلشوقِ آيَة ٌ … تَدُلُّ عَلَى مَا جَنَّهُ كُلُّ عَاشِقِ

تَفُضُّ جُفوناً عَن دُموعٍ سوائلٍ … وَتَفْرِي صُدُوراً عَنْ قُلُوبِ خَوَافِقِ

وكيفَ يَعِى سِرَّ الهوى غَيرُ أهلِهِ … وَيَعْرِفُ مَعْنَى الشَّوْقِ مَنْ لَمْ يُفَارِقِ

لَعَمرُ الهوَى إنِّى لَدُن شَفَّنِى النَوى … لَفِى وَلَهٍ من سورة ِ الوَجدِ ماحِقِ

كَفى بِمُقامِى فى “سَرنديبَ ” غُربة ً … نَزَعْتُ بِهَا عَنِّي ثِيَابَ الْعَلاَئِقِ

وَمَنْ رَامَ نَيْلَ الْعِزِّ فَلْيَصْطَبِرْ عَلَى … لِقَاءِ الْمَنَايَا، وَاقْتِحَامِ الْمَضَايِقِ

فإن تَكُنِ الأيَّامُ رَنَّقنَ مَشربِى … وثَلَّمنَ حَدِّى بالخطوبِ الطوارقِ

فَمَا غَيَّرَتْنِي مِحْنَة ٌ عَنْ خَلِيقَتِي … ولا حوَّلتنِى خدعَة ٌ عَن طرائقِى

وَلَكِنَّنِي بَاقٍ علَى مَا يَسُرُّنِي … ويُغضِبُ أعدائى ، ويُرضِى أصادِقِى

فَحَسرة ُ بُعدِى عن حَبيبٍ مُصادِقٍ … كَفَرْحَة ِ بُعْدِي عَنْ عَدُوٍّ مُمَاذِقِ

فَتِلكَ بِهَذى ، والنَجاة ُ غَنيمَة ٌ … منَ الناسِ ، والدُنيا مَكيدة ُ حاذِقِ

ألا ، أيُها الزارِى عَلى َّ بِجَهلِهِ … ولَم يَدرِ أنِّى دُرَّة ٌ فى المفارِقِ

تَعزَّ عن العلياءِ باللُّؤمِ ، واعتزِلْ … فَإِنَّ الْعُلاَ لَيْسَتْ بِلَغْوِ الْمَنَاطِقِ

فَما أنا مِمَّن تَقبَلُ الضَيمَ نَفسهُ … ويَرضَى بِما يَرضَى بهِ كلُّ مائقِ

إذا المرءُ لم يَنهَض لِما فيهِ مَجدُهُ … قَضَى وَهْوَ كَلٌّ فِي خُدُورِ الْعَواتِقِ

وأى ُّ حَياة ٍ لامرئٍ إن تنكَّرَت … لَهُ الْحَالُ لَمْ يَعْقِدْ سُيُورَ الْمَنَاطِقِ؟

فَما قُذُفاتُ العِزِّ إلاَّ لِماجدٍ … إذا هَمَّ جَلَّى عَزمهُ كُلَّ غاسقِ

يَقولُ أُناسٌ ، إنِّنى ثُرتُ خالِعاً … وَتِلْكَ هَنَاتٌ لَمْ تَكُنْ مِنْ خَلاَئِقِي

وَلَكِنَّنِي نَادَيْتُ بِالْعَدْلِ طَالِباً … رِضا اللهِ ، واستنهضتُ أهلَ الحقائقِ

أمرتُ بِمعروفٍ ، وأنكرتُ مُنكراً … وذلِكَ حُكْمٌ فِي رِقَابِ الْخَلاَئِقِ

فإن كانَ عِصياناً قِيامِى ، فإنَّنى … أَرَدْتُ بِعِصْيَانِي إِطَاعَة َ خَالِقي

وَهَلْ دَعْوَة ُ الشُّورَى علَيَّ غَضَاضَة ٌ … وَفِيهَا لِمَنْ يَبْغِي الْهُدَى كُلُّ فَارِقِ؟

بَلى ، إنَّها فَرضٌ منَ اللهِ واجِبٌ … عَلَى كُلِّ حَيٍّ مِنْ مَسُوقٍ وَسَائِقِ

وكيفَ يَكونُ المرءُ حُرًّا مُهذَّباً … ويَرضَى بِما يأتِى بهِ كلُّ فاسقِ ؟

فإن نافقَ الأقوامُ فى الدينِ غَدرة ً … فَإنِّى بِحمدِ اللهِ غيرَ منافقِ

عَلَى أَنَّنِي لَمْ آلُ نُصْحاً لِمَعْشَرٍ … أَبَى غَدْرُهُمْ أَنْ يَقْبَلُوا قَوْلَ صَادِقِ

رأوا أن يسُوسوا الناسَ قَهراً ، فأسرَعوا … إِلَى نَقْضِ مَا شَادَتْهُ أَيْدِي الْوَثائِقِ

فَلَمَّا اسْتَمَرَّ الظُّلْمُ قَامَتْ عِصَابَة ٌ … مِنَ الْجُنْدِ تَسْعَى تَحْتَ ظِلِّ الْخَوَافِقِ

وشايَعَهُم أهلُ البِلادِ ، فأقبَلوا … إِلَيْهِمْ سِراعاً بَيْنَ آتٍ وَلاَحِقِ

يَرُومُونَ مِنْ مَوْلَى الْبِلاَدِ نَفَاذَ مَا … تألاَّهُ من وعدٍ إلى الناسِ صادِقِ

فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ، فَلاَ تَسَلْ … سِوَايَ، فَإِنِّي عَالِمٌ بِالْحقَائِقِ

فَيَا «مِصْرُ» مَدَّ اللَّهُ ظِلَّكِ، وَارْتَوَى … ثَرَاكِ بِسَلْسَالٍ مِنَ النِّيلِ دَافِقِ

ولا بَرِحَت تَمتارُ منكِ يدُ الصَبا … أريجاً يُداوِى عَرفهُ كلَّ ناشِقِ

فَأَنْتِ حِمَى قَوْمِي، وَمَشْعَبُ أُسْرَتِي … ومَلعَبُ أترابِى ، ومَجرى سَوابِقِى

بِلاَدٌ بِهَا حَلَّ الشَّبَابُ تَمَائِمِي … وناطَ نِجادَ المشرِفى ِّ بِعاتِقِى

إِذَا صَاغَهَا بَهْزَارُ فِكْرِي تَصَوَّرَتْ … لِعَيْنِي فِي زِيٍّ مِنَ الْحُسْنِ رَائِقِ

تَرَكتُ بِها أهلاً كِراماً ، وجيرة ً … لَهُم جيرة ٌ تَعتادُنِى كُلَّ شارِقِ

هَجَرْتُ لَذِيذَ الْعَيْشِ بَعْدَ فِراقِهِمْ … وودَّعتُ ريعانَ الشبابِ الغُرانِقِ

فَهَل تَسمَح الأيَّامُ لِى بِلِقائهِم … وَيَسْعَدُ فِي الدُّنْيَا مَشُوقٌ بِشَائِقِ؟

لَعَمرِى لقد طالَ النَوى ، وتَقَطَّعَت … وسَائِلُ كَانَتْ قَبْلُ شَتَّى الْمَوَاثِقِ

فإن تَكُن الأيَّامُ ساءت صُروفُها … فَإنِّى بِفضلِ اللهِ أولُ واثقِ

فَقَدْ يَسْتَقِيمُ الأَمْرُ بَعْدَ اعْوِجَاجِهِ … وَيَرْجِعُ لِلأَوْطَانِ كُلُّ مُفَارِقِ