أحاد أم سداس في أحاد – المتنبي

أُحادٌ أمْ سُداسٌ في أُحَادِ … لُيَيْلَتُنَا المَنُوطَةُ بالتّنادِي

كأنّ بَناتِ نَعْشٍ في دُجَاهَا … خَرائِدُ سافراتٌ في حِداد

أُفَكّرُ في مُعاقَرَةِ المَنَايَا … وقَوْدِ الخَيْلِ مُشرِفةَ الهَوادي

زَعيمٌ للقَنَا الخَطّيّ عَزْمي … بسَفكِ دمِ الحَواضرِ والبَوادي

إلى كمْ ذا التخلّفُ والتّواني … وكمْ هذا التّمادي في التّمادي

وشُغلُ النّفسِ عن طَلَبِ المَعالي … ببَيعِ الشّعرِ في سوقِ الكَسادِ

وما ماضي الشّبابِ بمُسْتَرَدٍّ … ولا يَوْمٌ يَمُرّ بمُسْتَعادِ

متى لحظَتْ بَياضَ الشّيبِ عيني … فقد وَجَدَتْهُ منها في السّوَادِ

متى ما ازْدَدْتُ من بعدِ التّناهي … فقد وقَعَ انْتِقاصي في ازْدِيَادي

أأرْضَى أنْ أعيشَ ولا أُكافي … على ما للأميرِ مِنَ الأيادي

جَزَى الله المَسيرَ إلَيْهِ خَيْراً … وإنْ تَرَكَ المَطَايا كالمَزادِ

فَلَمْ تَلقَ ابنَ إبْراهيمَ عَنْسِي … وفيها قُوتُ يَوْمٍ للقُرادِ

ألَمْ يَكُ بَيْنَنا بَلَدٌ بَعيدٌ … فَصَيّرَ طُولَهُ عَرْضَ النِّجادِ

وأبْعَدَ بُعْدَنا بُعْدَ التّداني … وقَرّبَ قُرْبَنا قُرْبَ البِعَادِ

فَلَمّا جِئْتُهُ أعْلَى مَحَلّي … وأجلَسَني على السّبْعِ الشِّدادِ

تَهَلّلَ قَبْلَ تَسليمي علَيْهِ … وألْقَى مالَهُ قَبْلَ الوِسَادِ

نَلُومُكَ يا عَليّ لغَيرِ ذَنْبٍ … لأنّكَ قد زَرَيْتَ على العِبَادِ

وأنّكَ لا تَجُودُ على جَوادٍ … هِباتُكَ أنْ يُلَقَّبَ بالجَوادِ

كأنّ سَخاءَكَ الإسلامُ تَخشَى … إذا ما حُلتَ عاقِبَةَ ارتِدادِ

كأنّ الهَامَ في الهَيْجَا عُيُونٌ … وقد طُبِعتْ سُيُوفُكَ من رُقادِ

وقد صُغتَ الأسِنّةَ من هُمومٍ … فَما يَخْطُرْنَ إلاّ في الفُؤادِ

ويوْمَ جَلَبْتَها شُعْثَ النّواصِي … مُعَقَّدَةَ السّباسِبِ للطّرادِ

وحامَ بها الهَلاكُ على أُنَاسٍ … لَهُمْ باللاّذِقِيّة بَغْيُ عَادِ

فكانَ الغَرْبُ بَحْراً مِن مِياهٍ … وكانَ الشّرْقُ بَحراً من جِيادِ

وقد خَفَقَتْ لكَ الرّاياتُ فيهِ … فَظَلّ يَمُوجُ بالبِيضِ الحِدادِ

لَقُوكَ بأكْبُدِ الإبِلِ الأبَايَا … فسُقْتَهُمُ وحَدُّ السّيفِ حادِ

وقد مزّقتَ ثَوْبَ الغَيّ عنهُمْ … وقَد ألْبَسْتَهُمْ ثَوْبَ الرّشَادِ

فَما تَرَكُوا الإمارَةَ لاخْتِيارٍ … ولا انتَحَلوا وِدادَكَ من وِدادِ

ولا اسْتَفَلُوا لزُهْدٍ في التّعالي … ولا انْقادوا سُرُوراً بانْقِيادِ

ولكن هَبّ خوْفُكَ في حَشاهُمْ … هُبُوبَ الرّيحِ في رِجلِ الجَرادِ

وماتُوا قَبْلَ مَوْتِهِمِ فَلَمّا … مَنَنْتَ أعَدْتَهُمْ قَبْلَ المَعادِ

غَمَدْتَ صَوارِماً لَوْ لم يَتُوبوا … مَحَوْتَهُمُ بها مَحْوَ المِدادِ

وما الغضَبُ الطّريفُ وإنْ تَقَوّى … بمُنْتَصِفٍ منَ الكَرَمِ التّلادِ

فَلا تَغْرُرْكَ ألْسِنَةٌ مَوالٍ … تُقَلّبُهُنّ أفْئِدَةٌ أعادي

وكنْ كالمَوْتِ لا يَرْثي لباكٍ … بكَى منهُ ويَرْوَى وهْوَ صادِ

فإنّ الجُرْحَ يَنْفِرُ بَعدَ حينٍ … إذا كانَ البِناءُ على فَسادِ

وإنّ المَاءَ يَجْري مِنْ جَمادٍ … وإنّ النّارَ تَخْرُجُ من زِنَادِ

وكيفَ يَبيتُ مُضْطَجِعاً جَبانٌ … فَرَشْتَ لجَنْبِهِ شَوْكَ القَتادِ

يَرَى في النّوْمِ رُمحَكَ في كُلاهُ … ويَخشَى أنْ يَراهُ في السُّهادِ

أشِرْتُ أبا الحُسَينِ بمَدحِ قوْمٍ … نزَلتُ بهِمْ فسِرْتُ بغَيرِ زادِ

وظَنّوني مَدَحْتُهُمُ قَديماً … وأنْتَ بما مَدَحتُهُمُ مُرادي

وإنّي عَنْكَ بَعدَ غَدٍ لَغَادٍ … وقَلبي عَنْ فِنائِكَ غَيْرُ غَادِ

مُحِبُّكَ حَيثُما اتّجَهَتْ رِكابي … وضَيفُكَ حيثُ كنتُ من البلادِ