أرى بين ملتف الأراك منازلا – البحتري
أرَى بَينَ مُلْتَفّ الأرَاكِ مَنَازِلا، … مَوَاثِلَ، لَوْ كانَتْ مَهَاها مَوَاثِلا
فَقِفْ مُسعِداً فيهِنّ، إن كنتَ عاذِراً، … وَسِرْ مُبعِداً عَنهُنّ، إنْ كنتَ عاذِلا
لَقينَا المَغَاني باللّوَى، فكَأنّنَا … لَقِينَا الغَوَاني الآنِسَاتِ عَوَاطِلا
وَقَتْلُ المُحِبّينَ العُيُونُ، وَلمْ أكنْ … أظُنُّ الرّسومَ الدّارِساتِ قَوَاتِلا
هَوَاجِرُ شَوْقٍ، لَوْ تَشاءُ يَدُ النّوَى … لَجادَتْ بمَنْ نَهَوى، فعادَتْ أصَائلا
وَمَذْهَبُ حُبٍّ لم أجِدْ عَنهُ مَذهَباً، … وَشاغِلُ بَثٍّ لم أجِدْ عَنهُ شَاغِلا
وَأضْلَلْتُ حلمي، فالتَفَتُّ إلى الصّباَ … سَفاهاً وَقد جُزْتُ الشّبابَ مَرَاحِلا
فَلِلّهِ أيّامُ الشّبابِ، وَحُسنُ مَا … فَعَلْنَ بِنَا، لوْ لمْ يكُنّ قَلائِلا
ألَيْلَتَنَا الطّولى بطُمِّينَ، هَلْ لَنَا … سَبيلٌ إلى اللّيْلِ القَصِيرِ بِبَابِلا
سَلامٌ على الفِتْيانِ بالشّرْقِ، إنّني … إلى الجانِبِ الغَرْبيّ يَمّمْتُ وَاغِلا
مع اللّيثِ وابنِ اللّيثِ أَُضْحي مُغاوراً … حُماةَ الضّوَاحي، ثمّ أَُمْسِي مُقاتِلا
نَزُورُ بِلا شَوْقٍ تَذُورَةَ وَابنَهَا، … وَقَدْ صَدّ عَنْهَا نَوْفَلُ بنُ مِخايلا
كأصْحابِ ذي القَرْنَينِ حَيثُ تَبوّأوا، … وَرَاءَ مَغيبِ الشّمسِ، تلكَ المَنازِلا
وَمَنْ يَتقََلْقَلْ في سَرَايا ابنِ يوسُفٍ … يَرَ الحَقّ، في قُرْبِ الأحبّةِ، باطِلا
يَبيتُ وَرَاءَ النّاطَلُوقِ، وَرَأيُهُ … يَجُرُّ وَرَاءَ السّيْسَجانِ المفَاصِِلا
إذا اسْوَدّ فيه الشّكُّ كانَ كَوَاكِباً، … وَإنْ سارَ فيهِ الخَطْبُ كانَ حَبَائِلا
رَمَى الرّومَ بالغَزْوِ الذي ما تَتابَعَتْ … نَوافذُهُ،إِلاَّ أصَبْنَ المَقَاتِلا
غَزَاهُمْ، فإفناهُمْ، وَلم يَقتصرْ لهمْ … على العامِ، حتى جَدّدَ الغَزْوَ قَابِلا
لكَ الخَيرُ، أُنْظُرْهمْ لتَفتَجعَ الرُّبَى … مَنَوِّرَةً، أو تَحلِبَ الخِلفَ حافِلا
فقَدْ غُرْتَ بالغارَاتِ في وَهَداتِهِمْ، … وَلِيّاً، وَوَسْمِيّاً، رَذاذاً وَوَابِلا
وَسُقْتَ الذي فَوْقَ المَعاقِلِ منِهُمُ، … فلَمْ يَبْقَ إلاّ أنْ تَسُوقَ المَعاقِلا
بجَمْعٍ، تَرَى فيه النّهَارَ قَبيلَةً، … إذا سَارَ فيهِ، وَالظّلامَ قَبَائِلا
يُدَبّرُهُمْ مُسترْعِفَ السّيفِ، فارِساً … بحَيثُ الوَغى، مُستحصَد الرّأيِ رَاجلا
طَليعَتُهُمْ، إنْ وُجّهَ الجَيشُ غَازِياً، … وَساقَتُهُمْ، إنْ وُجّهَ الجَيشُ قافِلا
وَما حَمدَ الفيتانُ، مثلَ مُحَمّد، … سَنَاماً لعَلْيَاء الفَعَالِ، وَكاهلا
بَعيدٌ من الحُسّادِ تَزْدَحِمُ العُلا … عَلَيهِ، إذا ما عُدّ سَعْداً وَنَايِلا
مُلُوكٌ، يَعُدّونَ الرّماحَ مَخاصِراً، … إذا زَعزَعُوها، والدّرُوعَ غَلائِلا
إذا قالَ وَعْداً، أوْ وَعيداً، تَسَرّعَتْ … مَكَارِمُ تَثْني آجِل الأَمْْرِعاجِلا
مَوَاهِبُ، إنْ مَتّ العُفَاةُ بحَقّهَا … إلى رَبْعِهِ المَألوفِ، عادَتْ وَسَائِلا
أدارَ رَحَاهُ، فاغتَدَى جَندَلُ الفَلا … تُرَاباً، وَقَد كانَ التّرَابُ جَنَادِلا
وَزَرَّ فُرُوجَ المُرْهَفَاتِ عَلى بَني … زُراةَ، فاختارُوا علَيها السّلاسِلا
فأصْلَحَ مِنْهُمْ كلّ ما كانَ فاسِداً؛ … وَقَوّمَ مِنْهُمْ كلّ ما كانَ مَائِلا
وأصْعَدَ مُوسَى في السّمَاءِ فلَم يجد … بها مَهْرَباً مِنْهُ. فأقْبَل نَازِلا
وَلمْ تَستَطِعْ بَدْليسُ تَمنَعُ رَبّهَا … مِنَ الأسَدِ المُزْجي إليَها القَنَابِلا
لأذْكَرْتَهُ بالرّمْحِ مَا كانَ نَاسِياً، … وَعَلّمْتَهُ بالسّيْفِ ما كانَ جَاهِلا
وَنَجّاهُ، مِنْ وَافي الحَمَائلِ، أنّهُ … تَلَقّاكَ غَضْبَاناً، فألقَى الحَمائِلا
أحَطْتَ بهِ قَهْراً، فَلَمّا مَلَكْتَهُ … أحَطْتَ بِهِ مَنّاً عَلَيْهِ، وَنَائِلا
وَلَوْ لمْ تُناهِضْهُ، وَأبصَرَ عِظْمَ ما … تُنيلُ مِنَ الجَدْوَى، لجَاءَكَ سائِلا
عَطَفْت على الحَيّيْنِ بَكْرٍ وَتَغلِبٍ، … وَنَمرِهِما حتى حَسِبْنَاكَ وَائِلا
وَفي يَوْمِ مَنْوِيلٍ، وَقد لمَسَ الهُدى … بأظْفَارِهِ، أوْ هَمّ أنْ يَتَنَاوَلا
دَفَعْتَ عَنِ الإسْلامِ ما لَوْ يُصِيُبهُ … لمَا زَالَ شَخصاً، بَعدَها، مُتَضَائِلا
لَئِنْ أخّرُوهُ عَنْ مَسَاعيكَ، إنّهُ … ليََقْدُمُ أيّامَ الرّجَالِ الأوائِلا
تَلافَيْتَ ألْفاً في ثَمانِينَ مِنْهُمُ، … وَشجّعْتَهُمْ حتى رَدَدْتَ الجَحافِلا
فِداؤكَ أقْوَامٌ، إذا الحَقُّ نَابَهُمْ … تَفَادَوْا مِنَ المَجدِ المُطلّ، تَوَاكُلا
فَمَنْ كانَ منهُمْ ساكِناً كُنتَ ناطقاً، … وَمَنْ كان منهُمْ قائِلاً كُنتَ فاعلا