يا بائي وبوابتي – أديب كمال الدين

(1)

مع أنني أطلقتُ عليكِ اسم الباء

ثم أطلقتُ عليكِ اسم النقطة

(بعد أن قيل لي انّ كلّ الباء في النقطة)

فإنني لم أشفَ بعد من جراحي التي سببتها

سكاكينكِ وشراشفكِ وروائحك.

نعم، لم أشف َ

مع أنني كتبت

سبعين ملحمة في ذكراك

وسبعين قصيدة لتمجيدك

وسبعين بيتاً لعدّ دموعي المتساقطة

في الطرقاتِ من أجلك

وسبعين، سبعين

نعم،

فلقد سطا عليك الزمان

وتناهبتك اللذةُ ذات اليمين وذات الشمال

وحين كنتِ بين ذراعيّ

تلثغين بمفاتن نهديكِ وساقيك

سطا خدم العرش ليسرقوكِ منيّ

ونهبوا عرشَ ذهبكِ ومفاتنكِ وملابسكِ الداخلية.

(2)

كان المشهد أكثر كابوسية مما أحتمل

إذ كان يتطلّب أن أقلع عينيّ

كما فعل أوديب

وأن أقطع رأسَ الحروف

وأعلّقها على بواباتِ العبث

ولم تكن لديّ حروف بالمرّة.

وكان المشهد يتطلّب أن أخرج

إلى الشارع عارياً

عارياً تماماً

وما كان هناك من شارعٍ في الأرض

يمكن أن أمشي عليه

بقدميّ الملتصقتين ببطني

يا ملكة العري والفجيعة

يا بائي وبوّابتي

يا بليـّتي وبـَلبـَلتي.

(3)

كان خروجي مدوّياً

لأنني كنتُ مَن يحمل رأسه بنفسه

فوق رمح عظيم

وكانت النسوةُ والملائكةُ تهرب مني

وهي تحمل طبولها وأبواقها الكبيرة

خرجتُ

لم أجد مَن يقول نعم

لرأسٍ محمولٍ على رمحٍ عظيم

كانت الطرقات جافّة

والشمس ساطعة

والغرباء يتلعثمون

وهم ينظرون إليّ:

ما هذا؟

أهو جنّي أم أنسي؟

أهو صوفي أم ملحد؟

أهو قربان أم خرافة؟

(4)

وخرجت

عبرتُ الأسلاكَ والحدود

عبرتُ المعنى والكلمات المتقاطعة

عبرتُ النقطةَ والوحشةَ والحلم

عبرتُ الأحشاء الداخلية والأعضاء التناسلية

عبرتُ الذي خرّب البلاد

وباعها من أجل حفنة من الجراثيم

وعبرتُ الذين باعوا كلّ شيء

من أجل حفنة من الشتائم

واللواتي بعن أجسادهن في سرير الدنانير

وعبرتُ، عبرت

حتى لم يعد هناك من شيء أعبره

يا فجيعتي

يا مَن قتلتني في سن العشرين

وظلّت تلاحقني حتى السبعين

أما من راحة؟

أما من هدنة؟

أما من صواب

لهذا الخطأ الذي يحتاط لكلّ شيء،

لهذا الخطأ الذي يقودني من خطأ

إلى آخر أكثر فتنة وصوابا؟

(5)

انظري

لقد تركت

من أجل أن أنساك –

الفرحَ الذي يتصاعد من دربكة الخيول

والحمامَ الذي يتصاعد من حمحمةِ الرغبة

وتركتُ الأنهارَ المقدسة وغير المقدسة

والجبالَ التي يقفز عليها السكارى

وتنام عليها الوحوش

تركتُ – مِن أجل أن أنساك –

حتى ما لا ينبغي تركه لأيّ عاقل أو مجنون

دون أن أنال ما أريد

يا كَرَبي وبلائي

يا بهائي ولوائي

يا شبابي المدمّى

وموتي الأبله الذي ينتظرني

ساهماً في آخر قارّات العالم.