وَعَدَ الزّيارَة َ طَرْفُهُ المُتَمَلِّقُ – بهاء الدين زهير
وَعَدَ الزّيارَة َ طَرْفُهُ المُتَمَلِّقُ … وتلافُ قلبي من جفونٍ تنطقُ
إنّي لأهْوَى الحُسنَ حيثُ وَجَدتُه … وَأهيمُ بالقَدّ الرّشيقِ وَأعشَقُ
وَبَلِيَّتي كَفَلٌ عَلَيهِ ذُؤابَة ٌ … مثلُ الكثيبِ عليهِ صلٌّ مطرقُ
يا عاذلي أنا منْ سمعتَ حديثهُ … فعَساكَ تَحنُو أوْ لَعَلّكَ تَرْفُقُ
لوْ كنتَ منا حيثُ تسمعُ أوْ ترى … لرأيتَ ثوبَ الصبرِ كيفَ يمزقُ
ورأيتَ ألطفَ عاشقينِ تشاكيا … وعجبتَ ممنْ لا يحبّ ويعشقُ
أيسومني العذالُ عنهُ تصبراً … وحياتهِ قلبي أرقّ وأشفقُ
إنْ عنفوا أوْ خوفوا أو سوفوا … لا أنثني لا أنتهي لا أفرقُ
أبداً أزيدُ معَ الوصالِ تلهفاً … كالعِقدِ في جِيدِ المَليحَة ِ يَقلَقُ
ويَزيدُني تَلَفاً فأذكُرُ فِعْلَهُ … كالمسكِ تستحقهُ الأكفُّ فيعبقُ
يا قاتلي إني عليكَ لمشفقٌ … يا هاجري إني إليكَ لشيقُ
وَأذاعَ أنّي قد سَلَوْتُكَ مَعشَرٌ … يا رَبِّ لا عاشُوا لذاكَ وَلا بَقُوا
ما أطْمَعَ العُذّالَ إلاّ أنّني … خوفاً عليكَ إليهمُ أتملقُ
وَإذا وَعدتُ الطّرْفَ فيك بهَجعَة ٍ … فاشهَدْ عليّ بأنّني لا أصْدُقُ
فعلامَ قلبكَ ليسَ بالقلبِ الذي … قد كانَ لي منهُ المُحبُّ المُشفِقُ
وَأظُنّ خَدَّكَ شامِتاً بفِراقِنا … فلقدْ نظرتُ إليهِ وهوَ مخلقُ
ولقدْ سعيتُ إلى العلاءِ بهمة ٍ … تقضي لسعيي أنهُ لا يلحقُ
وسريتُ في ليلٍ كأنّ نجومهُ … من فرطِ غيرتها إليّ تحدقُ
حتى وَصَلتُ سُرَادِقَ الملكِ الذي … تَقِفُ المُلُوكُ ببابِهِ تَستَرْزِقُ
وَوَقَفتُ من مَلِكِ الزّمانِ بِمَوْقِفٍ … ألفيتُ قلبَ الدهرِ فيهِ يخفقُ
فإليكَ يا نجمَ السماءِ فإنني … قد لاحَ نَجمُ الدّينِ لي يَتَألّقُ
الصالحُ الملكُ الذي لزمانهِ … حسنٌ يتيهُ به الزمانُ ورونقُ
مَلِكٌ يُحَدّثُ عَنْ أبيهِ وَجَدّهِ … سندٌ لعمركَ في العلى لا يلحقُ
سَجَدَتْ لهُ حتى العُيُونُ مَهابَة ً … أوما تراها حينَ يقبلُ تطرقُ
رحبُ الجنابِ خصيبة ٌ أكنافهُ … فلَكَمْ سَديرٌ عندَها وَخَوَرْنَقُ
فالعيشُ إلاّ في ذراهُ منكدٌ … وَالرّزْقُ إلاّ من يَدَيهِ مُضَيَّقُ
يا عزَّ منْ أضحى إليهِ ينتمي … وَعُلُوَّ مَنْ أمسَى بهِ يَتَعَلّقُ
أقسمتُ ما الصنعُ الجميلُ تصنعٌ … فيهِ وَلا الخُلْقُ الكَريمُ تَخَلّقُ
يدعو الوفودَ لمالهِ فكأنما … يدعو عليهِ فشملهُ يتفرقُ
أبداً تحنّ إلى الطرادِ جيادهُ … فَلَها إلَيهِ تَشَوُّفٌ وتَشَوُّقُ
يُبدي لسَطوَتِهِ الخَميسُ تَطَرّباً … فالسُّمرُ تَرْقُصُ وَالسيوفُ تُصَفّقُ
في طَيّ لامَتِهِ هِزَبْرٌ باسِلٌ، … تحتَ العَريكَة ِ منه بَدرٌ مُشرِقُ
يروي القنا بدمِ الأعادي في الوغى … فلذاكَ تثمرُ بالرؤوسِ وتورقُ
يمضي فيقدمُ جيشهُ من هيبة ٍ … جيشٌ يغصّ بهِ الزّمانُ وَيَشرَقُ
ملأ القُلُوبَ مَهابة ً وَمحبّة ً … فالبأسُ يرهبُ والمكارمُ تعشقُ
ستجوبُ آفاقَ البلادِ جيادهُ … ويرى لهُ في كلّ فجٍ فيلقُ
لَبّيْكَ يا مَنْ لا مَرَدّ لأمْرِهِ … وإذا دعا العيوقَ لا يتعوقُ
لَبّيْكَ يا خَيرَ المُلوكِ بأسرِهمْ … وَأعَزَّ مَن تُحدَّى إليهِ الأيْنُقُ
لَبّيكَ ألْفاً أيّها المَلِكُ الذي … جَمَعَ القُلوبَ نَوالُهُ المُتَفَرّقُ
وعَدَلْتَ حتى ما بها مُتَظَلّمٌ … وَأنَلْتَ حتى ما بها مُستَرْزِقُ
أنا مَن دعَوْتَ وَقد أجابك مُسرِعاً … هذا الثّناءُ لَهُ وهذا المَنطِقُ
ألفيتُ سوقاً للمكارمِ والعلى … فعَلِمتُ أنّ الفَضْلَ فيهِ يَنفُقُ
يا منْ إذا وعدَ المنى قصادهُ … قالتْ مواهبهُ يقولُ ويصدقُ
يا مَنْ رَفَضْتُ النّاسَ حينَ لَقيتُهُ … حتى ظننتُ بأنهمْ لم يخلقوا
قَيّدْتُ في مِصرٍ إلَيكَ رَكائِبي … غَيري يُغَرِّبُ تارَة ً وَيُشَرِّقُ
وَحَلَلتُ عندكَ إذ حَللتُ بمَعقِلٍ … يلقى لديهِ ماردٌ والأبلقُ
وتيقنَ الأقوامُ أني بعدها … أبداً إلى رتبِ العلى لا أسبقُ
فرُزِقْتُ ما لم يُرْزَقوا وَنَطَقْتُ ما … لم ينطقوا ولحقتُ ما لم يلحقوا