وفاؤكما كالربع أشجاه طاسمه – المتنبي

وَفاؤكُما كالرَّبْع أشْجاهُ طاسمه … بأنْ تُسعِدا والدّمْعُ أشفاهُ ساجِمُهْ

وما أنَا إلاّ عاشِقٌ كلُّ عَاشِقٍ … أعَقُّ خَليلَيْهِ الصّفِيّينِ لائِمُهْ

وقَدْ يَتَزَيّا بالهَوَى غَيرُ أهْلِهِ … ويَستَصحِبُ الإنسانُ مَن لا يُلائمُهْ

بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها … وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خاتمُهْ

كَئيباً تَوَقّاني العَواذِلُ في الهَوَى … كمَا يَتَوَقّى رَيّضَ الخَيلِ حازِمُهْ

قِفي تَغرَمِ الأولى من اللّحظِ مُهجتي … بثانِيَةٍ والمُتْلِفُ الشّيْءَ غارِمُهْ

سَقاكِ وحَيّانَا بكِ الله إنّمَا … على العِيسِ نَوْرٌ والخدورُ كمائِمُهْ

وما حاجةُ الأظعانِ حَوْلَكِ في الدّجى … إلى قَمَرٍ ما واجدٌ لكِ عادِمُهْ

إذا ظَفِرَتْ منكِ العُيونُ بنَظرَةٍ … أثابَ بها مُعيي المَطيّ ورازِمُهْ

حَبيبٌ كأنّ الحُسنَ كانَ يُحِبّهُ … فآثَرَهُ أوْ جارَ في الحُسنِ قاسِمُهْ

تَحُولُ رِماحُ الخَطّ دونَ سِبائِهِ … وتُسبَى لَهُ منْ كلّ حَيٍّ كرائِمُهْ

وَيُضْحي غُبارُ الخَيلِ أدنَى سُتُورِهِ … وآخِرُها نَشْرُ الكِباءِ المُلازِمُهْ

وما اسْتَغْرَبَتْ عَيني فِراقاً رأيْتُهُ … ولا عَلّمَتْني غَيرَ ما القلبُ عالمُهْ

فَلا يَتَّهِمْني الكاشِحونَ فإنّني … رَعَيتُ الرّدى حتى حَلَتْ لي علاقمُهْ

مُشِبُّ الذي يَبكي الشّبابَ مُشيبُهُ … فكَيفَ تَوَقّيهِ وبانِيهِ هادِمُهْ

وتَكْمِلَةُ العَيشِ الصِّبا وعَقيبُهُ … وغائِبُ لَوْنِ العارِضَينِ وقادِمُهْ

وما خَضَبَ النّاسُ البَياضَ لأنّهُ … قَبيحٌ ولكِنْ أحْسَنُ الشَّعرِ فاحِمُهْ

وأحسَنُ مِنْ ماءِ الشّبيبَةِ كُلّهِ … حَيَا بارِقٍ في فازَةٍ أنا شائِمُهْ

عَلَيها رِياضٌ لم تَحُكْها سَحابَةٌ … وأغصانُ دَوْحٍ لمْ تُغَنِّ حَمَائِمُهْ

وفَوْقَ حَواشي كلّ ثَوْبٍ مُوَجَّهٍ … من الدُّرّ سِمْطٌ لم يُثَقّبْهُ ناظِمُهْ

تَرَى حَيَوانَ البَرّ مُصْطَلِحاً بِهِ … يُحارِبُ ضِدٌّ ضِدَّهُ ويُسالِمُهْ

إذا ضَرَبَتْهُ الرّيحُ ماجَ كَأنّهُ … تجولُ مَذاكيه وتَدأى ضَراغِمُهْ

وفي صورةِ الرّوميّ ذي التّاجِ ذِلّةٌ … لأبْلَجَ لا تيجانَ إلاّ عَمائِمُهْ

تُقَبّلُ أفْواهُ المُلُوكِ بِساطَهُ … ويَكْبُرُ عَنها كُمُّهُ وبَراجِمُهْ

قِياماً لمَنْ يَشفي مِنَ الدّاءِ كَيُّهُ … ومَن بَينَ أُذْنَيْ كلّ قَرْمٍ مَواسمُهْ

قَبائِعُها تَحْتَ المَرافِقِ هَيْبَةً … وأنْفَذُ ممّا في الجُفُونِ عَزائِمُهْ

لَهُ عَسكَرَا خَيْلٍ وطَيرٍ إذا رَمَى … بها عَسكَراً لم يَبقَ إلاّ جَماجمُهْ

أجِلّتُها مِنْ كلّ طاغٍ ثِيابُهُ … ومَوْطِئُها مِن كلّ باعٍ مَلاغمُهْ

فَقَدْ مَلّ ضَوْءُ الصّبْحِ ممّا تُغيرُهُ … ومَلّ سَوادُ اللّيلِ ممّا تُزاحِمُهْ

ومَلّ القَنَا ممّا تَدُقّ صُدورَهُ … ومَلّ حَديدُ الهِنْدِ ممّا تُلاطِمُهْ

سَحابٌ مِنَ العِقبانِ يزْحَفُ تحتَها … سحابٌ إذا استَسقتْ سقتها صَوارِمُهْ

سلَكتُ صُروفَ الدّهرِ حتى لقيتُهُ … على ظَهرِ عَزْمٍ مُؤيَداتٍ قَوائِمُهْ

مَهالِكَ لم تَصْحَبْ بها الذئبَ نَفسُه … ولا حَمَلَتْ فيها الغُرابَ قَوادِمُهْ

فأبصَرْتُ بَدراً لا يَرَى البدرُ مِثْلَهُ … وخاطَبْتُ بحْراً لا يرى العِبرَ عائِمُهْ

غَضِبْتُ لَهُ لمّا رَأيْتُ صِفاتِهِ … بلا واصِفٍ والشِّعرُ تهذي طَماطِمُهْ

وكنتُ إذا يَمّمْتُ أرضاً بَعيدَةً … سرَيتُ فكنْتُ السرّ واللّيلُ كاتمُهْ

لقد سَلّ سيفَ الدّولَةِ المَجدُ مُعلَماً … فلا المَجدُ مخفيه ولا الضّرْبُ ثالمُهْ

على عاتِقِ المَلْكِ الأغَرِّ نِجادُهُ … وفي يَدِ جَبّارِ السّماواتِ قائِمُهْ

تُحارِبُهُ الأعداءُ وهْيَ عَبيدُهُ … وتَدّخِرُ الأمْوالَ وهْيَ غَنائِمُهْ

ويَستَكبرُونَ الدّهرَ والدّهْرُ دونَهُ … ويَستَعظِمونَ المَوتَ والموْتُ خادمُهْ

وإنّ الذي سَمّى عَلِيّاً لَمُنْصِفٌ … وإنّ الذي سَمّاهُ سَيفاً لَظالمُهْ

وما كلُّ سَيفٍ يَقْطَعُ الهَامَ حَدُّهُ … وتَقْطَعُ لَزْباتِ الزّمانِ مَكارِمُهْ