وداعا للرمالِ وللمغاني – زكي مبارك

وداعا للرمالِ وللمغاني … وداعا للملاحة يا صديقي

أتذكر كيف كان الموج يجرى … كما يجرى الشقيق إلى الشقيق

وقفنا في جوار اليم سكرى … كسكر الناظرين إلى الرحيق

نرى في البرّ ألوان التناجى … وفي البحر المشارف والعميق

كأن الحسن ذاب بكل لون … نراه وفي المياه وفي الطريق

سكرنا سكرة الحرمان حتى … كلانا كالأسيرِ وكالطليق

وهذا الجو يملؤه حنانٌ … ولو أن الغروب من الحريق

وأبنا أوبة المهزوم لكن … بنا طربٌ من الأدب الحقيقي

وحين مضى القطار يقل وجدى … ووجدك كالرفيق من الرفيق

رأينا الحسن وثابا جريئا … يحاصرنا كأحلام العشيق

فعوضنا من التبريح صفواً … ومن صور الخشونة بالرقيق

وأضحكنا من السفر الموافى … بألوان الأثاب وبالزعيق

رموه خنادقا وقلاع حرب … فصار مدى الطريق من المضيق

وذا طست الغسيل يداس حتى … يزمجر بالرعود وبالبريق

وتمضى الغانيات على تثن … تثنى النور في الجو الصفيقِ

فسبحان المكافىء والمعزّى … وما أدنى الرجاء بكلّ ضيق

لقد عدنا بقهقهة وأنسٍ … وأحلام الرشاقة والرشيق