هِيَ الدِّيارُ فعُجْ في رسْمِها العارِي – ابن الخياط

هِيَ الدِّيارُ فعُجْ في رسْمِها العارِي … إنْ كانَ يُغْنِيكَ تَعْرِيجٌ على دارِ

إنْ يخلُ طرفُكَ منْ سُكانِها فبِها … ما يملأُ القلبَ منْ شوقٍ وتذكارِ

يا عمرُو ما وقْفة ٌ فِي رسمِ مَنزِلَة ٍ … أثارَ شوقَكَ فِيها مَحْوُ آثارِ

أنكرْتَ فِيها الهوى ثُمَّ اعتْرفْتَ بهِ … وما اعترافُك إلا دمعُكَ الجارِي

تشجُو الديارُ وما يشْجُو أخا كمدٍ … من الهوى مثلُ دارٍ ذات إقفارِ

يا حبذا منزِلٌ بالسفحِ منْ إضمٍ … ودمنة ٌ بلوى خبتِ وتعشارِ

ويا حبذا أصلٌ يُمسي يُجَرُّ بِها … ذَيلُ النَّسيمِ على مَيْثاءِ مِعطارِ

لوْ كُنتُ ناسِيَ عهْدٍ من تَقادُمهِ … نَسيتُ فيها لُباناتي وأوْطارِي

أيامَ يفتِكُ فيها غيرَ مُرتقَبٍ … ظبْيُ الكِناسِ بليثِ الغابة ِ الضارِي

يصبُو إليَّ ويُصْبِي كلَّ منفردٍ … بالدَّلِّ والحُسنِ مِنْ بادٍ ومِنْ قارِ

لا أُرسِلُ اللَّحْظَ إلاّ كانَ موْقِعُهُ … على شُمُوسٍ مُنِيراتٍ وأقمارِ

ما أطْيَبَ العَيْشِ لَوْ أنِّي وَفَدْتُ بهِ … على شبابٍ ودهْرٍ غيرِ غدارِ

الآنَ قدْ هجرتْ نفسي غوايتَها … وحانَ بعدَ حلُولِ الشيبِ إقصارِي

والعَيْشُ ما صحِبَ الفِتيانُ دهرَهُمُ … مُقَسَّمٌ بينَ إحلاءٍ وإمرارِ

يا مَنْ بمُجْتَمَعِ الشَّطَّيْنِ إنْ عَصفَتْ … بكمْ رياحي فقد قدَّمتُ إعذارِي

لا تُنكرُنَّ رحيلِي عنْ ديارِكُمُ … ليسَ الكرِيمُ على ضَيمٍ بِصَبّارِ

يأْبى ليَ الضيمَ فُرسانُ الخلاج وما … حَبَّرتُ مِنْ غُرَرٍ تُهدى وأشعارِ

وقدْ غدَوْتُ بِعِزِّ الدِّينِ مُعْتَصِماً … إنَّ الكِرامَ علَى الأيّامِ أنصارِي

مَلْكٌ إذا ذُكِرَتْ يوماً مواهِبُهُ … أثْرى الرجاءُ بها منْ بعدِ إقتارِ

يُعطيكَ جُوداً على الإقلالِ تحسَبُهُ … وافاكَ عنْ نشبٍ جمٍّ وإكثارِ

ريانُ منْ كرَمٍ ملآنُ منْ هممٍ … كأنَّهُ السَّيفُ بينَ الماءِ والنّارِ

ليسَ الجوادُ جَواداً ما جرى مثَلٌ … حتى يكونَ كحَسّانِ بنِ مسمارِ

الواهِبُ الخَيلَ إمّا جِئتَ زائِرَهُ … أقَلَّ سَرْجَكَ مِنْها كُلُّ طيّارِ

الطاعِنُ الطعنة َ الفوْهاءَ جائشة ً … ترُدُّ طاعِنَها عَنها بتيّارِ

يكادُ ينفُذُ فيها حينَ يُنْفِذُها … لولا عُبابُ دمٍ مِن فوْرِها جارِ

تلقى السِّنانَ بِها والسَّردَ تحسِبُهُ … ما ضَلَّ منْ فُتُلٍ فيها ومِسبارِ

في كفّه سيفُ مسمارَ الذي شقيتْ … هامُ المُلوكِ بهِ أيامَ سنْجارِ

لا يأْمُلُ الرزْقَ إلا مِنْ مضارِبِهِ … فرْسُ الهُمامِ بأنيابٍ وأظفارِ

نِعمَ المُناخُ لِشُعْثٍ فوْتِ مهلَكَة ٍ … ارماقِ مسغَبَة ٍ أنْضاءِ أسْفارِ

لا يشتَكُونَ لديهِ المحْلَ في سنَة ٍ … يشكو بها السَّغَبَ المَقْرِيُّ والقارِي

سحابُ جُودٍ على الرّاجينَ مُنْهَمَلٍ … وبَحْرُ جُودٍ علَى العافِينَ زَخّارِ

إذا ترَحَّلَ عنْ دارٍ أقامَ لهُ … من الصنائِعِ فيها خيرَ آثارِ

كالغيثِ أقلعَ محموداً وخلَّفَ ما … يُرضِيكَ مِن زهَرٍ غَضٍّ ونُوّارِ

تبقى الذَّخائرُ مِنْ فضلاتِ نائلهِ … كأنَّها غُدْرٌ مِنْ بعدِ أمطارِ

مِظفَّرُ العَزمِ ما تألُوا مُوفَّقَة ً … آراؤُهُ بينَ إيرادٍ وإصدارِ

سامٍ إلى الشرفِ الممنوعِ جانِبُهُ … نامٍ إلى الحسَبِ العارِي منَ العارِ

مخوَّلٌ في جنابٍ بيتَ مملكة ٍ … عزُّوا بهِ وأذلُّوا كلَّ جبارٍ

أيامَ كلْبٌ لها ما بينَ جوسيَة ٍ … وبَيْنَ غَزَّة َ مِنْ رِيفٍ وأمصارِ

يَقُودُها مِنْ سنانٍ عزْمُ مُتَّقِدٍ … أمامَها كسِنانِ الصَّعْدَة ِ الوارِي

ترمِي بأعْيُنِها في كُلِّ داجِيَة ٍ … مِنهُ إلى كوْكَبٍ بالسَّعدِ سيّارٍ

يبيتُ كُلُّ ثَقِيلِ الرُّمْحِ حامِلُهُ … فِي سَرْجِ كلِّ خفيفِ اللِّبْدِ مِغْوارِ

مجدٌ تأَثَّلَ في نجدٍ أوائلُهُ … وشيدَ بالشّامِ منْهُ الطارِفُ الطّارِي

يا بن الكرام الأُلى مازال مجدهم … مُغْرى ً بقلَّة ِ أشْباهٍ وأنْظارِ

المانعينَ غداة َ الخوفِ جارُهُمُ … والحافظين بغيْبٍ حُرْمَة َ الجارِ

بيضُ العوارِفِ أغْمارٌ إذا وَهَبُوا … جُوداً وليسُوا إذا عُدُّوا بأغْمارِ

لا يصحَبُ الدهرَ منهُمْ طُولَ ما ذُكِرُوا … إلاّ الثَّناءُ وإلاّ طِيبُ أخْبارِ

إنَّ العشائِرَ مِنْ أحياءِ ذِي يَمَنٍ … لمّا بغَوْكَ جرَوْا في غيرِ مضمارِ

أصْحَرْتَ إذْ مدَّ بالمِدّانِ سيلُهُمُ … والليثُ لا يُتَّقى مِنْ غيرِ إصحارِ

سالُوا فأغرَقَهُمْ قطْرٌ نضَحْتَ بهِ … ما كُلُّ سيلٍ على خيلٍ بجرّارِ

مالُوا فقوَّمَ مِنْهُمْ كلَّ مُنأطِرٍ … طعنٌ يُعدِّلُ منهُمْ كلَّ جوّارِ

حتى إذا نهتِ الأولى فما انتفَعُوا … بِالنَّهْي، والبغيُ فِيهمْ شرُّ أمّارِ

أبحْتَها وحَمَيْتَ الشامَ معتقِداً … أنْ ليسَ ينفعُ إلاّ كُلُّ ضَرّارِ

قدْ نابَكَ الدَّهْرُ أزْماناً بِغيرِهِمِ … فظلَّ يغْمِزُ عُوداً غيرَ خوّارِ

وكمْ أبتَّ على ثأرٍ ذَوِي ضَغَنٍ … ولمْ تَبِتْ قطُّ منْ قومٍ على ثارِ

إن زُرْتُ دارَكَ عنْ شَوقٍ فمجْدُكَ بِي … أولى وما كُلُّ مُشتاقٍ بِزَوّارِ

ليسَ المُطيقُونَ حِجَّ البيتِ ما تركُوا … فريضَة َ الحجِّ عنْ زُهْدٍ بأبْرارِ

وقدْ أتيتُكَ اسْتعدِي على زمنٍ … لا يَشْرَبُ الحُرُّ فيهِ غيرَ أكدارِ

موكَّلُ الجَوْرِ بالأحرارِ يقصِدُهُمْ … كأنَّهُ عندهُمْ طَلاّبُ أوْتارِ

والحمدُ أنْفَسُ مذخُورٍ تفوزُ بهِ … فخُذْ بحظَّكَ مِنْ عُونِي وأبكارِي

من القوافِي التي ما زِلْتُ أودِعُها … عُلالَة َ الرَّكْبِ مِنْ غادٍ وَمِنْ سارِ

إنَّ السَّماحَة َ أولاها وآخرَها … في كَفِّ كلِّ يمانٍ يا بْنَ مسمارِ

لا تسْقني بِسِوى جَدْوَى يدَيْكَ فما … يروِي منَ السُّحْبِ إلا كُلُّ مدرارِ

ولستُ أوَّلَ راجِ قادَهُ أمَلٌ … قدْ راحَ منكَ على شقْراءِ محضارِ