هل تثنين غروب دمع ساكب – ابن دارج القسطلي
هل تثنين غروب دمع ساكب … من شام بارقة الغمام الصائب
أبت العزيمة من فؤاد جامد … أن تستقيد لماء جفن ذائب
من ترمه حدق المكارم تصبه … عن مصيبات أحبه وحبائب
ففراق ربات الخدور مكفر … بلقاء نجم المكرمات الثاقب
قالت وقد مزج الوداع مدامعا … بمدامع وترائبا بترائب
أتفرق حتى بمنزل غربة … كم نحن للأيام نهبة ناهب
في كل يوم منتوى متباعد … يرمي حشاشة شملنا المتقارب
وثنت تذكر مقربات سفائن … عذنا بها من مقفرات سباسب
أيام تؤنسنا فلا وسواحل … عن آنسات مقاصر وملاعب
نعب الغراب بها فطار بأهلها … سربا على مثل الغراب الناعب
خرق الجناح إلى الرياح مضلل … بشمائل لعبت به وجنائب
يهوي بذي طمرين مزق لبسها … أيدي لواهف للنفوس نوادب
في غول ذي لجج لبسن دياجيا … ترك الحياة لنا كأمس الذاهب
بقاسيتهن غواربا كغياهب … وسريتهن غياهبا كغوارب
نجلو ظلام الليل قبل صباحه … بظلى زفير أو برأس شائب
يا هذه لله تلك حدائقا … زهراتهن مفارقي وذوائبي
مثل الرياض تفتحت أكمامها … عن محكمات بصائري وتجاربي
فدخرت للألباب كفة حابل … ولأشطر الأيام كفي حالب
ورميت آفاق العراق بشرد … ليس العجائب عندها بعجائب
من كل ساحرة كأن رويها … في ألسن الراوين ريقة كاعب
ولكم وصلت تنائفا بتنائف … حتى وصلت مشارقا بمغارب
فكأنما قفيت إثر بدائعي … في الأرض أو ناويت شأو غرائبي
أو رمت حظي في السماء وقد جرى … لمداه في فلك الفضاء الغائب
ولئن دجت لي الحادثات فما أرى … نور اليقين بطرف ظن كاذب
صدقتني الأنباء ضربة لازم … أن ليس هم الدهر ضربة لازب
فشفيت في حر التجمل غلتي … وقضيت من حسن العزاء مآربي
وحرست عرضي بالتوكل من نأي … عني بجانبه نأيت بجانبي
وقد رأيت الجد ليس ببالغ … والعجز ليس عن الصراط بناكب
كم قد سعدت بما تمنى حاسدي … قدرا وخبت بما تخير صاحبي
ووجدت طعم السم في شهد الجنى … وأجاج شربي في نمير مشاربي
ورفلت في النعم السوابغ ملبسي … أثوابها الدهر الذي هو سالبي
يا ربة الخدر استجدي سلوة … جد النجاء بهائم بك لاعب
إما شجيت برحلتي فاستبشري … بجميل ظني من جميل عواقبي
ولئن جنيت عليك ترحة راحل … فأنا الزعيم لها بفرحة آيب
هل أبصرت عيناك بدرا طالعا … في الأفق إلا من هلال غارب
والله من بعدي عليك خليفتي … وخليفة هديت إليه مذاهبي
بيني وبينك أن يلبي دعوتي … داعي لبيب من مناخ ركائبي
وأهل نحو فنائه وعطائه … فيهل نحو وسائلي ورغائبي
أوأشيم برق يمينه وجبينه … ويشم ريح أواصري ومطالبي
وأهزه بشوافع من عامر … تزري بكل قرابة ومناسب
فهناك جاءتك الخطوب خواضعا … ومشى إليك الدهر مشية تائب
وأناب سلطان النوائب وانثنت … ذللا وأعتب كل مولى عانب
ملك متى أرم الحوادث باسمه … تقتل أفاعيها سموم عقاربي
الرافع الأعلام فوق خوافق … والقائد الآساد فوق شوازب
ملك تكرم عن خلائق غادر … فأثابه الرحمن قدرة غالية
يقضي فيمضي كل حق واجب … إلا إذا أعطى ففوق الواجب
فقل على الإسلام ممنوع له … عن قلب كل معاند ومناصب
لا يخلع الإسلام حلة آمن … منه ولا الإشراك ربقة هائب
حرم الهدى سم العدى أمنية … لمسالم ومنية لمحارب
وقف على علم الثغور مقارب … لمباعد ومباعد لمقارب
فمراقب الإسلام غير مراقب … ومصاقب الأعداء غير مصاقب
موف بعلياء الثغور لرغبة … من راغب أو رهبة من راهب
تضحي عطاياه تحية زائر … وتبيت روعته نجية هارب
يا من يلاقي النازلين قبابه … بجبين موهوب وراحة واهب
وإذا التقي الجمعان أول طاعن … وإذا استحر الطعن أول ضارب
وإذا تئوب الخيل آخر نازل … وإذا دعا الداعي فأول راكب
كرمت أياديك التي أنشأتها … أتراب كل مؤمل أو راغب
من كل بكر في يمينك حرة … يرفلن بين قلائد وجلابب
هذي لأول خاطب ولداتها … يهتفن في الآفاق هل من خاطب
ويجل قدرك عن ولادة يافث … أو قيصر أو عن أروم صقالب
بل أنت بكر غمامة من بارق … لقحت به أو صعدة من قانب
قبلتك أيدي همة وسيادة … ورضعت در مكارم ومواهب
في عز مهد ما استقر مكانه … إلا بقرب منابر ومحارب
بوفطمت يوم فطمت في رهج الوغى … عند التفاف كتائب بكتائب
حتى حلت من السماء مراتبا … تركت كواكبها بغير مراتب
فلئن طلبت هناك حقا صاعدا … فلأنت أقرب من وريد الطالب
ولئن وهبت لقد وهبت مساعيا … أصبحن حلي ما ثري ومناقبي
شيما بها حليت غر قصائدي … وجعلتهن أهلة لكواكبي
وذخرت للأزمان من حسناتها … مثل القلائد في نحور كواعب
ولأشفين بها سقام تغربي … ولآسون بها جراح مصائبي
ولأجعلن منها تمائم خائف … من طائف أو من رجاء خائب
ولأتركن ثناءها وجزاءها … قوت المقيم غدا وزاد الراكب
وسرور محزون وأنس مغرب … وحلي أوتار وروضة شارب
ولقد نثرت عليك شكلك جوهرا … لا ما قمشت وضم حبل الحاطب