هلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ – عبدالغفار الأخرس
هلاّ نَظَرْتَ إلى الكئيب الوالِهِ … وسألته مستكشفاً عن حالهِ
أودى بمهجته هواك ولم يدعْ … منه الضَّنى إلاّ رسوم خياله
الله في كبد تذوب ومدمع … أهرقتَ صوبَ مصونه ومذاله
وحشاشة تورى عليك وناظر … ممن دعا لوبالها ووباله
أتظنُّه يسلو هواك على النوى … تالله ما خطر السُّلوُّ بباله
عذراً إليك فلو بدا لك ما به … ما كنتَ إلاّ أنتَ من عذّاله
وَيْلي من الحيّ المراق له دمي … في غاب ضيغمه كناس غزاله
هذا يصول بطرفه وبقدِّه … صولات ذاك برمحه ونصاله
من كلّ معتقل قناة قوامه … والطَّعن كلُّ الطَّعنِ من عسّاله
رامٍ يسدّد سَهْمَه ويريشه … أَحشايَ من أغراض وقع نباله
مرّت ممّكسه الصّبا فتنفّست … عن ورد وجنته ومسكة خاله
ولكم جرى بيني وبين رضابه … ما كان عند السكر من جرياله
لا تعذلنّ على الهوى أهل الهوى … ودع المشوق كما علمت بحاله
أمّا رحيل تصبّري وتجلّدي … فغداة جدّ الركب في ترحاله
إنْ تنشدا قلبي وعهدكما به … صاع العزيز فإنَّه برحاله
يا أيها الحادي أما بك رأفة … بالركب منحطّ القوى لكلاله
عجت المطيّ لمنزلٍ مستوبلٍ … حتَّى وَقَفْتُ به على أطلاله
ولقد سألت فما أجابك ربعه … فعلامَ تكثرُ بعدها بسؤاله
سحب النسيمُ على ثراك إذا سرى … أَرَجاً يفوح المسك من أذياله
يا دارَنا وسقاك من صوب الحيا … ما إنْ يصوب الريَّ صبّ سجاله
سقياً لعهدك بالغميم وإنْ مضى … وتصرَّمتْ أوقاته بظلاله
قد كنتُ أعلمُ أنَّ عيشك لم يدم … وبصرتُ قبل دوامه بزواله
قستُ الأُمور بمثلها فَعَرَفْتُها … ولقد يقاس الشيء في أمثاله
وتَقَلُّبي في النائبات أباحني … نظراً إلى غاياته ومآله
أنّى تفوزُ بما تحاول همّتي … والدهر ملتفتٌ إلى أنذاله
وأرى المهذَّبَ في الزمان معذّباً … في الناس في أقواله وفعاله
لا كان هذا الدهر من متمرِّدٍ … ماذا يلاقي الحرّ من أهواله
سَعِدَ الشقيُّ بعيشه في جهله … وأخو الكمال معذَّبٌ بكماله
وأنا الذي قهر الزمان بصبره … جلداً على الأرزاء من أنكاله
ما زلت ندب الأكرمين وإنْ يكن … قَلَّ الكريمُ النَّدبُ في أجياله
… قَصُرَتْ يد الآمال دون مناله
لا تعدلنّ به الأَنام بأَسْرِها … شتّان بين تلوله وجباله
فَلَكٌ تَدورُ به شموسُ مناقبٍ … يُشْرِقْنَ بين جماله وجلاله
فسلِ النُّجومَ الزهرَ وهي طوالع … هلْ كُنَّ غير خلاله وخصاله
متوقّلٌ جبل الأُبَّوة لم يزل … في القُلَّة القعساء وطء نعاله
فمضتْ عزائمه على آماله … وقضتْ مكارمه على أمواله
طود توقّره الحلومُ وباذخ … لا يطمع الحدثان في زلزاله
حسب المكارم أنَّه من أهلها … من بعد أصحاب النبيّ وآله
أصْبَحْتُ أعذر من يتيه بمدحه … عذر المليح بتيهه ودلاله
فكأنَّما اغتبق القريضُ بذكره … كأسَ الشمول ترقرقتْ بشماله
يرتاح للجدوى فيطرب أَنْ يُرى … وهابَ غرّ المال قبل سؤاله
وإذا کنتقدت بني الزمان وجَدْتَه … رَجُلَ الزمان وواحداً برجاله
هو شرعة الظّامي إذا الظّما … أَظما ولم أفْقِدْ نَميرَ زلاله
وأنا الغريقُ من الجميل بزاخر … يكفي القلي النزر من أوشاله
في كل ليلٍ حالكٍ من حادث … إنّي لمرتقبٌ طلوع هلاله
لا غرو أَنْ أُكفى به عن غيره … هَلْ كنتُ إلاّ من أقلَّ عياله
فكأَنَّه للناس أجْمَعِها أبٌ … يحنو لرأفته على أطفاله
ولقد أقول لمن أراد نضاله … ما أنتَ يومَ الرَّوع من أبطاله
في كلّ معترك لمشتجرٍ القنا … ضاقت فسيحاتُ الخطا بمجاله
كالعارضِ المنهلّ يومَ نواله … والصارم المنسلّ يوم نزاله
بأبي الفؤول الفاعل القرم الذي … تجنى ثمار الصدق من أقواله
إنّي نعمتُ بجاهه وبماله … تعسَ البخيل بجاهه وبماله
شملتني الألطاف منه بساعة … قبَّلت ظهرَ يمينه وشماله
لا زال يُقْبِلُ بالعطاء عَليَّ من … أفضاله أبداً ومن إقباله
متتابع النعماء جلّ مآربي … فيه ومعظم ثروتي من ماله
ومحمّلي بالفضل شكراً سرَّني … أَنّي أكونُ اليوم من حمّاله
عقل القريض لسانه ذووه وإنَّما … عَرَفَ الفتى من كان من أشكاله
نسجت يداه من الثناء ملابساً … لا تنسج الدنيا على منواله