هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها – الياس أبو شبكة

هذِهِ القَصَّةُ لا شَأنَ لَها … بِأَقاصيص عَجوز خَطِلِ

فَهيَ نُطقٌ سَمِعتهُ أُذني … وَبَيانٌ أَبصَرَتهُ مُقلَي

فَأَنا في سَردِها أَصدقُ إِذ … إِنَّها قَد حَدَثَت في مَنزِلي

فَاِسمَعوها وَاِفقَهوا جَوهَرِها … وَخُذوا مَوعِظَةً مِمّا يَلي

قُمتُ في ذاتِ ضحىً من مَضجَعي … وَبناتُ الشِعرَ قَد قامَت مَعي

وَتَوَجَّهتُ كَأَمسي يائِساً … أَنزَوي مُنفَرِداً في مَخدَعي

مُخدعٌ كَالقَفص الضَيِّقِ قَد … سَكَنَت فيهِ عَذارى أَدمُعي

كُلَّ عَذراءَ عَلى قَيثارِها … هَجَعَت وَالشعرُ بَينَ المُقلِ

فَسمعتُ الطَيرَ في مَجثَمِهِ … مُنشِداً يَستَقبِلُ الفَجرَ الجَديدا

وَرَأَيتُ الفَجرَ سَكرانَ هَوىً … يَردُ الطهرَ وَلا يسقي الوُجودا

وَعلى قيثار فينوس شَدَت … ربةُ الحِكمَةِ ميزفا النَشيدا

إِنَّ لِلفَجرِ غَراماً طاهِراً … ما دَرى مَعناهُ غَيرُ البُلبُلِ

طَلَعَ الصُبحُ رُوَيداً وَأَنا … أَسكُبُ الأَشعارَ مِن قارورَتي

مُطلِقاً زَفرَةَ صَدري بِأَسى … فَأَثيرُ الروحَ في نرجيلَتي

وَأَرى دَخنَتَها ثائِرَةً … تَتَلاشى في زَوايا غُرفَتي

كُلَّما أَطلَقتُ فيها زَفرَةً … هَمَسَت في الصُبحِ حَتّى يَنجَلي

وَإِذا صَوتٌ تَعالى مُلحِناً … مِن بَعيدٍ مِثل أَوتارِ النَغَم

صادَمتَهُ نَسماتٌ في الصَبا … فَأَتى كَالهَمسِ في أُذنِ النسم

عِندَ ذا أَطلَلتُ من نافِذَتي … تارِكاً قِرطاسَ شِعري وَالقَلَم

فَإِذا بصارَةٌ برّاجةٌ … تَكشِفُ البَختَ بِقَولٍ مُنزلِ

ما تَرددتُ بِأَن نادَيتُها … وَعَلى ثَغري خَيالُ البَسمات

فَأَتَت وَالوَشمُ في مرشفِها … طُرقاتٌ لمرورِ المُعجِزات

قُلتُ يا عرّافَتي هل أَنتِ مَن … قَرَأَت في الغَيبِ أَسرارَ الحَياةِ

أَطلِعيني عَن مَآتي وَطَني … وَعن الحالَةِ في المُستَقبَلِ

فَأَجابَت بَعد أَن مَدَّت يَداً … لاِستِلامِ الغَرشِ من كَفّي نَصيب

وَرَمَت في حُجرَتي أَبواقِها … فَتَعالى نَغَمٌ مِنها غَريبُ

ضَع عَلى الأَبواقِ يُمناكَ وَقل … إِنَّني آمَنتُ بِاللَهِ المُجيب

ثُمَّ قالَت لي كَلاماً صائِباً … فَاِسمَعوا يا قَومُ ما قالَتهُ لي

إِنَّ لُبنانَ ضَعيفٌ رزاحٌ … تَحت أَثقالِ ظَلامٍ أَسودِ

لَعبَت فِتيانُهُ فيهِ دداً … ما اَرادَت مهنَةً غيرَ الدَدِ

هَجَعَت سكرى بِأَحلامِ الصِبا … هَل دَرَت ماذا تَوارى في الغَدِ

إِنَّ شَعباً كَثُرت أَحلامُهُ … لَهو شَعبٌ ضائِعٌ في الدُوَلِ

لبِلادِ الأَرزِ أَبناءٌ نَأَت … فَهيَ تَشقى في زَوايا المَهجرِ

وَلها قَلبٌ إِذا ما ذُكر ال … وَطنُ اِهتَزَّ اِهتِزازَ الشَجرِ

سَعدُ لُبنانَ كَبيرٌ إِنَّما … بِسِوى أَبنائِهِ لَم يكبُرِ

وَله بُرجٌ علا مُرتَفِعاً … مِن قَديمٍ وَغداً لا يُعتَلى

عِندَما الغُؤّابُ تَعتادُ الحمى … لِتَرى مُستَقبَلاً في الوَطَنِ

عِندَما الأَمواهُ تُمسي مُسكِراً … جارِياتٍ من أَعالي القُننِ

عِندَما المَهجِرُ يُمسي خالِياً … من رِجالٍ نَشَأَت في الدِمَنِ

بَشَّروا لُبنانَ بِالعودِ إلى … زَمنٍ مِثل الزَمانِ الأَوَّلِ

عِندَما البَغضاءُ تُمسي مهجاً … تَنسلُ الحُبُّ وَتَأوي الرجلا

عِندَما الأَرماحُ تُمسي سككاً … وَفرند السيفِ يُمسي منجلا

عِندَما الحاكِمُ في عِزَّتِهِ … يُنجِد الفَلّاح حَتّى يَعمَلا

بَشَّروا لُبنانَ بِالعِزِّ فَما … وَطنٌ عَزَّ بِغَيرِ العَملِ

كُنتُ أُصغي وَفُؤادي نابِضٌ … وَعُيوني شاخِصاتٌ في السَحاب

ناظِراً في عالَمِ الماضي إِلى … مَجد قَومي المُتَلاشي كَالضَباب

إِنَّ زَيتَ المَجدِ تشعلُهُ … زَفَراتٌ اليَاسِ من صَدرِ الشَباب

فَالتَآخي وَالقُوى تَضرُمُه … هَل مُؤاخاة بِهذا الجَبلِ

عِندَ هذا نَهَضَت عَرّافَتي … بَعد ما قَد جَمَعت أَبواقها

وَمَضَت تَسرع بِالمشي وَقد … وَهَبت من سحرها أَحداقها

وَلَدُن قَد خَرجَت مِن مَنزِلي … وَمَضَت ناشِدَةً عشاقَها

صَرخت بصارَةٌ براجةٌ … تَكشِفُ البَختَ بقَولٍ مُنزَلِ