محاولة في الذكرى – أديب كمال الدين

(1)

ها أنذا أعودُ إلى ذكراكِ

أعودُ كجيشٍ مهزوم

فلا تحاولي معي إحصاء الجرحى والمفقودين.

(2)

نقطتكِ أيتها الباء

كانت نار شتاء ودخان سيكارةٍ فرحة

نقطتكِ كانت شموساً تُمْسَكُ باليد

وصيفاً غامضاً مليئاً بالقُبل

ودخولاً مفاجئاً في العدم السعيد.

(3)

موتي بعد فراقكِ بدأ كمهرجانٍ أسطوري

وحين سألتُ عن اسمه

لُطِمتُ على فمي حتّى سال دمي.

(4)

أنتِ فاجعتي الأخيرة وانتحاري المبّكر

أنتِ ألف مكسورة

ونون متعسفة

وتاء ممتدة كجسدٍ مباح.

(5)

ها أنذا أعود إليك

كمدمنِ خمرٍ قرر ترك الخمر ألف مرّة

ونجح في كلّ مرّة

(6)

بعد أن كنتِ مرآتي التي تبتسم لابتسامتي

وتنتفض لمجيئي

صرتِ عبثي الذي يلقي عليّ القبض

كلّما رآني

أو كلّما تذّكر حرفاً من حروفي المحطّمة.

(7)

لا أكتمك

بعدكِ تحوّلتُ إلى صفرٍ جارح

وضياعٍ مؤبد

وشِعْرٍ يحبّه الناسُ ولا أحبّه

لأنه نزيف.. نزيف مركّز فقط.

(8)

لا أكتمكِ..

بعد ليلتكِ الخضراء

صارت الليالي شظايا

وبعد سريركِ البضّ

صارت الأسرّة منايا

وبعد غرفتكِ المعلّقةِ بالسقف

صارت الغرفُ سراديب

وبعد قبلتكِ الجارحةِ ورضابكِ العسل

صارت القُبَلُ طيوراً قتيلة

وبعد كلماتكِ الطيّبة حدّ الطفولة

صارت الكلماتُ أسناناً اصطناعية.

(9)

بعدكِ الزمنُ ضاع..

ولا أحد يعرف أين..

سألتُ كلّ شيء عن كلّ شيء

فلم يجبني أيّ شيء عن أيّ شيء

ونشرتُ إعلاناً في كلّ الصحف

اسألُ: أين وأين وأين

فاتـُهِمتُ بالغموضِ والنسيانِ واللاأين.

(10)

تصوّرتُ النساءَ مثلك

أشجارَ خضرةٍ وثمار ذهب

فكان تصوّري عارياً وعريي باذخاً

وتصوّرتُ المدنَ مثل مدينتك

أساطيرَ حبّ وقـُبَلاً من نار

ولقاءات عاصفة ككؤوس عرق

فوجدتها مدن موتى لا يتحاورون إلاّ بالنباح

ولا يقدمون لبعضهم بعضاً إلاّ باقات من الشتائم