مبيتي من دمشق على فراش – المتنبي

مَبيتي مِنْ دِمَشقَ على فِراشِ … حَشاهُ لي بحَرّ حَشايَ حَاشِ

لَقَى لَيلٍ كعَينِ الظّبيِ لَوْناً … وهَمٍّ كالحُمَيّا في المُشاشِ

وشَوْقٍ كالتّوَقّدِ في فُؤادٍ … كجَمرٍ في جَوانحَ كالمُحاشِ

سَقَى الدّمُ كلَّ نَصْلٍ غيرِ نابٍ … ورَوّى كلَّ رُمحٍ غيرِ راشِ

فإنّ الفارِسَ المَنعوتَ خَفّتْ … لمُنصُلِهِ الفَوارِسُ كالرّياشِ

فقد أضحَى أبا الغَمراتِ يُكنى … كأنّ أبا العَشائِرِ غيرُ فَاشِ

وقد نُسِيَ الحُسينُ بما يُسَمّى … رَدى الأبطالِ أوْ غَيثَ العِطاشِ

لَقُوهُ حاسِراً في دِرْعِ ضَرْبٍ … دَقيقِ النّسجِ مُلتَهِبِ الحواشي

كأنّ على الجَماجمِ منهُ ناراً … وأيدي القَوْمِ أجنحَةُ الفَراشِ

كأنّ جَواريَ المُهَجاتِ ماءٌ … يُعاوِدُها المُهَنّدُ مِنْ عُطاشِ

فَوَلّوْا بَينَ ذي رُوحٍ مُفاتٍ … وذي رَمَقٍ وذي عَقلٍ مُطاشِ

ومُنعَفِرٍ لنَصلِ السّيفِ فيهِ … تَواري الضّبّ خافَ من احتراشِ

يُدمّي بعضُ أيدي الخيلِ بَعضاً … وما بِعُجايَةٍ أثَرُ ارْتِهاشِ

ورائِعُها وحيدٌ لم يَرُعْهُ … تَباعُدُ جَيْشِهِ والمُستَجاشِ

كأنّ تَلَوّيَ النُّشّابِ فيهِ … تلوّي الخوصِ في سَعَفِ العِشاشِ

ونَهبُ نُفوسِ أهلِ النّهبِ أوْلى … بأهلِ المجدِ من نَهبِ القُماشِ

تُشارِكُ في النِّدامِ إذا نَزَلْنَا … بِطانٌ لا تُشارِكُ في الجِحاشِ

ومن قَبلِ النّطاحِ وقَبلِ يأني … تَبينُ لكَ النّعاجُ منَ الكِباشِ

فَيا بَحرَ البُحورِ ولا أُوَرّي … ويا مَلِكَ المُلوكِ ولا أُحاشي

كأنّكَ ناظِرٌ في كلّ قَلْبٍ … فما يخفَى عَلَيكَ مَحلُّ غاشِ

أأصْبِرُ عنَكَ لم تَبخُلْ بشيءٍ … ولم تَقبَلْ عليّ كَلامَ واشِ

وكيفَ وأنتَ في الرّؤساءِ عِندي … عَتيقُ الطّيرِ ما بينَ الخِشاشِ

فَما خاشيكَ للتّكذيبِ راجٍ … ولا راجيكَ للتّخييبِ خاشِ

تُطاعِنُ كلُّ خيلٍ كُنْتَ فيها … ولوْ كانوا النّبيطَ على الجِحاشِ

أرَى النّاسَ الظّلامَ وأنتَ نُورٌ … وإنّي مِنهُمُ لإلَيكَ عاشِ

بُليتُ بهِمْ بَلاءَ الوَرْدِ يَلْقَى … أُنُوفاً هُنّ أولى بالخِشاشِ

عَلَيكَ إذا هُزِلْتَ معَ اللّيالي … وحَوْلك حينَ تَسمنُ في هراشِ

أتَى خَبَرُ الأميرِ فَقيلَ كَرّوا … فقلتُ نَعَمْ ولوْ لحقُوا بشاشِ

يَقودُهُمُ إلى الهَيجَا لَجُوجٌ … يَسِنُّ قِتالُهُ والكَرُّ نَاشِي

وأسرَجْتُ الكُمَيتَ فناقَلَتْ بي … على إعقاقِها وعلى غِشاشِي

مِنَ المُتَمَرّداتِ تُذَبُّ عَنها … برُمحي كُلُّ طائرةِ الرَّشاشِ

ولَوْ عُقِرَتْ لَبَلّغَني إلَيْهِ … حَديثٌ عَنهُ يحمِلُ كلَّ ماشِ

إذا ذُكِرَتْ مَواقِفُهُ لِحَافٍ … وَشيكَ فَما يُنكِّسُ لانتِقاشِ

تُزيلُ مَخافَةَ المَصْبورِ عَنهُ … وتُلْهي ذا الفِياشِ عنِ الفِياشِ

وما وُجدَ اشتِياقٌ كاشْتِياقي … ولا عُرِفَ انكِماشٌ كانكماشِي

فسِرْتُ إليكَ في طَلَبِ المَعالي … وسارَ سِوايَ في طَلَبِ المَعاشِ