ما لنا كلنا جو يا رسول – المتنبي

مَا لَنَا كُلُّنَا جَوٍ يا رَسُولُ … أنَا أهْوَى وَقَلبُكَ المَتْبُولُ

كُلّما عادَ مَن بَعَثْتُ إلَيْهَا … غَارَ منّي وَخَانَ فِيمَا يَقُولُ

أفْسَدَتْ بَيْنَنَا الأمَانَاتِ عَيْنَا … هَا وَخَانَتْ قُلُوبَهُنّ العُقُولُ

تَشتَكي ما اشتكَيتُ مِن ألمِ الشّوْ … قِ إلَيها وَالشّوْقُ حَيثُ النُّحولُ

وَإذا خامَرَ الهَوَى قَلبَ صَبٍّ … فَعَلَيْهِ لِكُلّ عَينٍ دَلِيلُ

زَوِّدينَا من حُسنِ وَجْهِكِ ما دا … مَ فَحُسنُ الوُجوهِ حَالٌ تحُولُ

وَصِلِينَا نَصِلْكِ في هَذِهِ الدّنـ … ـيَا فإنّ المُقَامَ فيها قَليلُ

مَنْ رَآهَا بعَيْنِها شَاقَهُ القُطّـ … ـانُ فيهَا كمَا تَشُوقُ الحُمُولُ

إنْ تَرَيْني أدِمْتُ بَعْدَ بَيَاضٍ … فَحَميدٌ مِنَ القَناةِ الذُّبُولُ

صَحِبَتْني على الفَلاةِ فَتَاةٌ … عادَةُ اللّوْنِ عندَها التّبديلُ

سَتَرَتْكِ الحِجالُ عَنهَا وَلكِنْ … بكِ مِنهَا منَ اللَّمَى تَقبيلُ

مِثْلُهَا أنتِ لَوّحَتْني وَأسْقَمْـ … ـتِ وَزَادَتْ أبْهاكُما العُطْبُولُ

نَحْنُ أدْرَى وَقد سألْنَا بِنَجْدٍ … أطَوِيلٌ طَرِيقُنَا أمْ يَطُولُ

وَكَثيرٌ مِنَ السّؤالِ اشْتِيَاقٌ … وَكَثِيرٌ مِنْ رَدّهِ تَعْليلُ

لا أقَمْنَا عَلى مَكانٍ وَإنْ طَا … بَ وَلا يُمكِنُ المكانَ الرّحيلُ

كُلّمَا رَحّبَتْ بنا الرّوْضُ قُلْنَا … حَلَبٌ قَصْدُنَا وَأنْتِ السّبيلُ

فِيكِ مَرْعَى جِيادِنَا وَالمَطَايَا … وَإلَيْهَا وَجِيفُنَا وَالذّميلُ

وَالمُسَمَّوْنَ بالأمِيرِ كَثِيرٌ … وَالأمِيرُ الذي بها المَأمُولُ

ألّذِي زُلْتُ عَنْهُ شَرْقاً وَغَرْباً … وَنَداهُ مُقابِلي مَا يَزُولُ

وَمعي أيْنَمَا سَلَكْتُ كَأنّي … كُلُّ وَجْهٍ لَهُ بوَجْهي كَفِيلُ

وَإذا العَذْلُ في النّدَى زَارَ سَمْعاً … فَفَداهُ العَذُولُ وَالمَعْذُولُ

وَمَوَالٍ تُحْيِيهِمِ مِنْ يَدَيْهِ … نِعَمٌ غَيْرُهُمْ بهَا مَقْتُولُ

فَرَسٌ سابِحٌ وَرُمْحٌ طَوِيلٌ … وَدِلاصٌ زَغْفٌ وَسَيفٌ صَقيلُ

كُلّمَا صَبّحَتْ دِيارَ عَدُوٍّ … قالَ تِلكَ الغُيوثُ هذي السّيولُ

دَهِمَتْهُ تُطايِرُ الزّرَدَ المُحْـ … ـكَمَ عَنْهُ كَمَا يَطيرُ النّسيلُ

تَقنِصُ الخَيلَ خَيلُهُ قنَصَ الوَحـ … ـشِ وَيَستأسرُ الخَميسَ الرّعيلُ

وَإذا الحَرْبُ أعرَضَتْ زَعَمَ الهَوْ … لُ لِعَيْنَيْهِ أنّهُ تَهْوِيلُ

وَإذا صَحّ فالزّمانُ صَحيحٌ … وَإذا اعْتَلّ فالزّمانُ عَليلُ

وَإذا غابَ وَجْهُهُ عَنْ مَكانٍ … فَبِهِ مِنْ ثَنَاهُ وَجْهٌ جَميلُ

لَيسَ إلاّكَ يا عَليُّ هُمَامٌ … سَيْفُهُ دونَ عِرْضِهِ مَسْلُولُ

كَيفَ لا تأمَنُ العِراقُ وَمِصْرٌ … وَسَرَاياكَ دونَهَا وَالخُيُولُ

لَوْ تَحَرّفْتَ عَن طَرِيقِ الأعادي … رَبَطَ السِّدْرُ خَيلَهُمْ وَالنّخيلُ

وَدَرَى مَنْ أعَزّهُ الدّفعُ عَنهُ … فيهِمَا أنّهُ الحَقِيرُ الذّليلُ

أنتَ طُولَ الحَيَاةِ للرّومِ غازٍ … فَمَتى الوَعْدُ أن يكونَ القُفولُ

وَسِوى الرّومِ خَلفَ ظَهرِكَ رُومٌ … فَعَلَى أيّ جَانِبَيْكَ تَمِيلُ

قَعَدَ النّاسُ كُلُّهُمْ عَنْ مَساعيـ … ـكَ وَقامتْ بها القَنَا وَالنُّصُولُ

ما الذي عِنْدَهُ تُدارُ المَنَايَا … كالّذي عِندَهُ تُدارُ الشَّمولُ

لَسْتُ أرْضَى بأنْ تكُونَ جَوَاداً … وَزَمَاني بأنْ أرَاكَ بَخيلُ

نَغّصَ البُعدُ عَنكَ قُرْبَ العَطايا … مَرْتَعي مُخصِبٌ وَجِسمي هَزِيلُ

إنْ تَبَوّأتُ غَيرَ دُنْيَايَ داراً … وَأتَاني نَيْلٌ فَأنْتَ المُنيلُ

فمِن عَبيدي إنْ عِشتَ لي ألفُ كافو … رٍ وَلي مِن نَداكَ رِيفٌ ونِيلُ

مَاأُبالي إذا اتّقَتْكَ اللّيَالي … مَنْ دَهَتْهُ حُبُولُها وَالْخُبُولُ