ما سدكت علة بمورود – المتنبي

مَا سَدِكَتْ عِلّةٌ بمَوْرُودِ … أكْرَمَ مِنْ تَغْلِبَ بنِ داوُدِ

يأنَفُ مِنْ مِيتَةِ الفِراشِ وَقَدْ … حَلّ بِهِ أصْدَقُ المَوَاعيدِ

وَمِثْلُهُ أنْكَرَ المَمَاتَ عَلى … غَيرِ سُرُوجِ السّوابِحِ القُودِ

بَعْدَ عِثَارِ القَنَا بلَبّتِهِ … وَضَرْبِهِ أرْؤسَ الصّنَاديدِ

وَخَوْضِهِ غَمْرَ كُلّ مَهْلَكَةٍ … للذِّمْرِ فيها فُؤادُ رِعْديدِ

فإنْ صَبَرْنَا فَإنّنَا صُبُرٌ … وَإنْ بَكَيْنَا فَغَيْرُ مَرْدودِ

وَإنْ جَزِعْنَا لَهُ فَلا عَجَبٌ … ذا الجَزْرُ في البَحْرِ غَيرُ مَعهُودِ

أينَ الهِبَاتُ التي يُفَرّقُهَا … على الزَّرَافَاتِ وَالمَوَاحِيدِ

سالِمُ أهْلِ الوِدادِ بَعْدَهُمُ … يَسْلَمُ للحُزْنِ لا لِتَخْليدِ

فَمَا تَرَجّى النّفوسُ مِنْ زَمَنٍ … أحْمَدُ حالَيْهِ غَيرُ مَحْمُودِ

إنّ نُيُوبَ الزّمَانِ تَعْرِفُني … أنَا الذي طالَ عَجْمُها عُودي

وَفيّ ما قَارَعَ الخُطُوبَ ومَا … آنَسَني بالمَصائِبِ السُّودِ

ما كُنْتَ عَنْهُ إذِ اسْتَغاثَكَ يا … سَيْفَ بَني هاشِمٍ بمَغْمُودِ

يا أكْرَمَ الأكْرَمينَ يا مَلِكَ الـ … ـأمْلاكِ طُرّاً يا أصْيَدَ الصِّيدِ

قَدْ ماتَ مِنْ قَبْلِها فَأنْشَرَهُ … وَقْعُ قَنَا الخَطّ في اللّغاديدِ

وَرَمْيُكَ اللّيْلَ بالجُنُودِ وَقَدْ … رَمَيْتَ أجْفانَهُمْ بتَسْهيدِ

فَصَبّحَتْهُمْ رِعَالُهَا شُزَّباً … بَينَ ثُباتٍ إلى عَبَادِيدِ

تَحْمِلُ أغْمادُهَا الفِداءَ لَهُمْ … فانْتَقَدُوا الضّرْبَ كالأخاديدِ

مَوْقِعُهُ في فَراشِ هَامِهِمِ … وَرِيحُهُ في مَنَاخِرِ السِّيدِ

أفْنى الحَيَاةَ التي وَهَبْتَ لَهُ … في شَرَفٍ شَاكِراً وَتَسْوِيدِ

سَقيمَ جِسْمٍ صَحيحَ مَكْرُمَةٍ … مَنجُودَ كَرْبٍ غِياثَ مَنجُودِ

ثُمّ غَدَا قَيْدهُ الحِمَامَ وَمَا … تَخْلُصُ مِنْهُ يَمينُ مَصْفُودِ

لا يَنقُصُ الهالِكُونَ مِنْ عَدَدٍ … مِنْهُ عَليٌّ مُضَيِّقُ البِيدِ

تَهُبّ في ظَهْرِهَا كَتائِبُهُ … هُبُوبَ أرْواحِهَا المَراوِيدِ

أوّلَ حَرْفٍ مِنِ اسمِهِ كَتَبَتْ … سَنَابِكُ الخَيلِ في الجَلاميدِ

مَهْمَا يُعَزِّ الفَتى الأميرَ بِهِ … فَلا بإقْدامِهِ وَلا الجُودِ

وَمِنْ مُنَانَا بَقَاؤهُ أبَداً … حَتى يُعَزّى بكُلّ مَوْلُودِ