ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع – ابن دارج القسطلي

ما أحسن الصبر فيما يحسن الجزع … وأوجد اليأس ما قد أعدم الطمع

وللمنايا سهام غير طائشة … وذو النهى بجميل الصبر مدرع

فإن خلت للأسى في شجوها سنن … فطالما أحمدت في كظمها البدع

وللفجائع أقدار وأفجعها … للنفس حيث ترى أظفارها تقع

كأن للموت فينا ثأر محتكم … فما بغير الكريم الحر يقتنع

قد خبرت نفس إسماعيل في يده … أن ليس عن حرمات المجد يرتدع

فاحتسبوا آل اسماعيل ما احتسبت … شم الربى من غمام الغيث ينقشع

واحتسبوا آلا إسماعيل ما احتسبت … خيل الوغى من لواء الجيش ينصرع

ماذا إلى مصر من بر ومن كرم … بعثتم مع وفد الله إذ رجعوا

حجوا به بهلال الفطر وانقلبوا … فاستودعوه ثرى مصر وما ربعوا

فأي قدر رفيع حان محله … في النعش يوما على أكتافهم رفعوا

وأي مختشع لله متضع … حر الشمائل في حر الثرى وضعوا

وغادروه ولا عذر بما فعلوا … وودعوه ولا باك لمن ودعوا

تغدو عليه حمام الأيك باكية … وتستهل على أكنافه القلع

والريح تهدي له من كل عارفة … عرفا وتحمل عنه فوق ما تدع

فاستشعروا آل إسماعيل تعزية … يهدى لها واعظ منكم ومستمع

فإن غدا شعبكم في الله مفترقا … فإن شعبكم في المجد مجتمع

وإن يصدع قلوبا صدع شملكم … فالصبر كالشمس حيث الفجر ينصدع

وإن جزعتم فرزء لا يقوم له … فيض الدموع ولا يشفى له وجع

وإن صبرتم فمن قوم إذا بعثوا … لم يوه عزمهم ذعر ولا فزع

قد وطنوا أنفسا للدهر ليس لها … إلا من الذم أن يدنو لها جزع

كأنهم في نعيم العيش ما نعموا … وفي الفجائع بالأحباب ما فجعوا

لله من حرم الأموال ما بذلوا … جودا ومن حرم الجيران ما منعوا

وما كسوكم من المجد الذي لبسوا … واستحفظوكم من الصبر الذي شرعوا

فاربط لها يا أبا مروان جأش فتى … سما فأتبع حتى عاد يتبع

وقد عضضت على ناب البزول فلا … يغنيك حسن العزاء الأزلم الجذع

دهر شجاك وقد وفاك تعزية … جلت فليست بغير القلب تستمع

بشرى لمن زود التقوى لمنقلب … حياه مدخر فيه ومطلع

بميتة في سبيل الله أسلمه … فيها إلى ربه الأبناء والشيع

في حجة برها في الله متصل … بالمحرمين عن الأوطان منقطع

لبى من الغاية القصوى فجاوبه … حور الخيام إلى لقياه تطلع

واستفتح الكعبة العياء فافتتحت … له إلى الجنة الأبواب والشرع

فكيف توحشك الدنيا إلى شيم … لذكرها في الورى مرأى ومستمع

تتلى فيعبق منها كل ذي تفل … ويعذب منها الصاب والسلع

قد حملت ألسن المثنين ما حملت … وأوسعت أيدي العافين ما تسع

كالغيث ينأى وما يخفى له أثر … والمسك يوعى وما يوعى له فنع

لطيب الذكر من حلم ومن ورع … لو كان للموت حلم عنه أو ورع

ومانع الجار من ضيم ومن عدم … لو أنه من حمام الحين يمتنع

ووازع الخطب عن قرب وعن بعد … لو أن صرف الرى من بعض ما يزع

وإن أقمت أبا مروان سنتها … شجوا فذو اللب في السلوان يبتدع

فاردد زفيرك عما لا مرد له … وارجع دموعك عمن ليس يرتجع

واستخلف العارض المنهل يخلفه … روض تصيف به مصر وترتبع

من كل بحرية شام يشام بها … حادي الجنوب فلا ريث ولا سرع

ينوب عن ضرم الأحشاء بارقها … وعن دموعك فيها الوابل الهمع

تزور في مصر قبرا قل زائره … لكنه للعلا والمجد مضطجع

وأكرم الغيث غيث عاد منتجعا … لأمن لم يزل للندى والجود ينتجع