لها العَتْبُ، هذا دأبها وَلَيَ العُتْبَى – عبدالجبار بن حمديس

لها العَتْبُ، هذا دأبها وَلَيَ العُتْبَى … سلمتُ من التعذيب لو لم أكن صبّا

رأى عاذلي جسمي حديثاً فرابه … ولم يدرِ أني قد رعيت به الحُبّا

وكيف ونفسي تؤثر الغصن والنقا … وتهوى الشقيقَ الغضّ والعَنَمَ الرطبا

وذاتِ دلالٍ أعْجَبَ الحسنَ خَلْقُهَا … فهزّ اختيالُ التّيه أعطافَها عُجبا

يكادُ وليدُ الذرِّ يجرحُ جسمَهَا … إذا صافحتْ منها أنامله الإتبا

فتاة ٌ إذ أحسنتُ في الحبِّ أذنَبَتْ … فمن أين لولا الجورُ تُلْزِمُنِي الذنبا

وإني لصعبٌ والهوى راضني لها … وغيرُ عجيبٍ أن يروضَ الهوى الصعبا

سريعة ُ غدرٍ سيفها في جفونها … وهل لك سلمٌ عند من خُلقتْ حربا

وروضة حسنٍ غردت فوقَ نحرها … عصافيرُ حَلْيٍ تلقطُ الدرَّ لا الحَبَّا

وألحقها بالسرب جيدٌ ومقلة ٌ … وإن لم يناسب درُّ مبسمها السربا

لها من فتون السحر عينٌ مريضة … تحلّبُ من أجفانها الدمع والكربا

شربتُ بلحظي سكرة ً من لحاظها … فلاقيت منها سَوْرَة ً تشربُ اللبَّا

وإني لصادٍ والزلالُ مبرَّدٌ … لدي، وإن أكثرت من صفوه شربا

فمن لي بودقٍ مُطفيءٍ حَرَّ غُلَّتِي … أباكرُ طلاًّ من أقاحِيّهِ عذبا

وقالوا أما يسلِيكَ عن شَغَفِ الهوَى … ومن ذا من السلوان يَسْلُكُ بي شعبا

وأنفاسها أذكي إذا انصرف الدجى … وريقتها أشهى ومقلتها أسبى

وحمراءَ تُلْقَى الماء في قيد سكرهِ … ويطلق من قيد الأسى شربها القلبا

َلَّدَ في ما بين ماءٍ ونارِها … مجوَّفُ درّ لا تطيق له ثقبا

قستْ ما قستْ ثم اقتضى المزجُ لينَها … فكم شررٍ في الكأس وشتْ به الشربا

وذي قتلة ٍ بالراح أحييتُ سمعه … بأجوفَ أحيته مُمِيتَتُهُ ضَرْبَا

فهَبَّ نزيفاً والنَّسيم معطَّرٌ … فما خلتهُ إلاّ النسيم الذي هبّا

شربنا على إيماض برقٍ كأنه … سنا قبس في فحمة الليل قد شبّا

سرَى رامحاً دُهْمَ الدياجِي كأبْلَقٍ … له وثبة ٌ في الشرق يأتي به الغربا

كأن سياط التبر منه تطايرت … لها قطعٌ مما يسوق بها السُحبا

إذ العيْش يجري في الحياة نعيمُهُ … وذيلُ الشبابِ الغضّ أركضهُ سَحْبَا

ليالي يندى بالمنى لي أمانها … كأيَّامِ يحيى لا تخاف لها خَطْبَا

سليلُ تميم بن المعزّ الذي له … مطالعُ فخرٍ في العلى تطلعُ الشهبا

هو الملك الحامي الهدى بقواضب … قلوبُ العدى منها مقلَّبة ٌ رعبا

إذا ما الحيا روى ليسكب صوبهُ … رأيتَ ندى يمناه يبتدر السكبا

بنى من منار الجود ما جَدُّهُ بنى … وذبّ عن الإسلام بالسيف ما ذبّا

وجهز للأعداء كل عرمرم … يغادرُ بالأرماح أرواحهم نهبا

كتائب يعلوها مشار قتامها … كما نشرت أيدٍ مرسّلة كتبا

وتفشي سريراتِ النفوسِ حماتها … بجهد ضراب يصرع الأسر الغلبا

إذا ما بديع المدح ضاق مجاله … على مَادحٍ ألفاهُ في وصفه رَحْبا

ثناءٌ تخال الشمس ناراً له وما … على الأرض من نبتٍ له منزلاً رطبا

سميعُ سؤالِ المُجْتدِي غيرَ سامعٍ … على بذلِ مالٍ من معاتبه عتبا

ومن ذا يُردّ البحر عن فيض مدهِ … إذا عَبَّ منه بالجنائب ما عَبَّا

إذا ما أديرتْ بالسيول من الظُّبَى … رحى الحرب في الهيجاء كان لها قطبا

شجاعٌ له في القِرْن نجلاءُ ثَرَّة ٌ … يُجَرّرُ مِنْها وهو كالثّملِ القُضْبا

يطير فراش الرأس مضربُ سيفه … وعاملهُ في القلب يحترش الضبّا

يخوضُ دمَ الأبطال بالجرد في الوغى … فيصدرها ورداً إذا وردت شهبا

عليمٌ بأسرار الزَّمان فراسة ً … كأنَّ لها عيناً تريه بها العُقْبى

قريبٌ إذا ساماه ذو رفعة ٍ نأى … بعيدٌ إذا ناداه مستنصرٌ لبّى

يُشْرِّدُ من آلائِه الفقرَ بالغِنَى … لها وَرَقاً يَنْبَتن في الناء أو قُضبا

يطوّقُ ذا الجُرْم المخالِفِ مِنَّة ً … ولولا مكان الحلم طوقة ُ العضبا

يعدّ من الآباء كلّ متوّجٍ … نديم المعالي ملكَ المال والتربا

لهمْ كلّ مرتاعٍ به الروع معلمٌ … إذا الحرب بالأرماح ناجزت الحربا

مضِّرم هيجا، في طوية ِ غمده … من الفتك ما يرضي منيَّتها الغضبى

وإن رُفعت فوق المفارق صَيّرَتْ … دبيب المنايا من مضاربها وثبا

لقد أصبحتْ ساحاتُ يحيى كأنَّما … إليه نفوسُ الخلق منقادة ٌ جذْبا

ربوعٌ بعثت الطرفَ فيهنّ خاشعاً … وإن كان بُعْد العزّ يمتنح القربا

فلا همّة ٌ إلاَّ رأيتُ لها عُلًى … ولا أمة إلا لقيت لها ركبا