لك الفوز من صوم زكي ومن فطر – ابن دارج القسطلي

لك الفوز من صوم زكي ومن فطر … وصلتهما بالبر شهرا إلى شهر

فناطق صدق عنك بالصدق والنهى … وشاهد عدل فيك بالعدل والبر

فهذا بما استقبلت من صائب الندى … وهذا بما زودت من وافر الذخر

فكم شافع في ظلك الصوم بالتقى … وكم واصل في أمنك الليل بالذكر

وكم ساجد لله منا وراكع … يبيت على شفع ويغدو على وتر

ووجهك للهيجاء من دون وجهه … وتسري إلى الأعداء عنه ولا يسري

وظلك ممدود عليه وتصطلي … بجاحم نار الحرب أو جامد القر

خلعت عليه ثوب صون ونعمة … وظاهرت عنه بين صن وصنبر

وكم قاطع بالنوم ليلا وصلته … بغزوك ما بين الأصيل إلى الفجر

وأقدمت فيه الخيل حتى رددتها … وآثارها ثغر لقاصية الثغر

فأنت جزاء صومنا وصلاتنا … وفيك رأينا ما ابتغينا من الأجر

ومنك استمد الفطر مطعم فطرنا … وفيك أرتنا قدرها ليلة القدر

وباسمك عزت في الخطاب منبر … بأسعد عيد عاد بالسعد أو فطر

ولاح لنا فيه هلال كأنه … بشير بفتح منك أشرق بالبشر

أهل فأهللنا إليه تمثلا … برحبك جنح الليل بالضيف تستقري

وأسفر عن زهر النجوم كأنما … جبينك أبدى عن خلائقك الزهر

علا وتدانى للعيون كما علا … محلك واستدنيت بعدا عن الكبر

وذكرنا عطفا بعطفك حانيا … على الدين والإسلام في البدو والحضر

هلال مساء بات يضمن للضحى … غداة المصلى مطلع الشمس والبدر

وملء عيون الناظرين كتائبا … كتبت بها الآفاق سطرا إلى سطر

مخططة بالخيل والأسد والحلى … ومعجمة بالبيض والبيض والسمر

وصادقة الإقدام تهتز للوغى … وخافقة الأعلام تعتز بالنصر

فصليت وهي النور في مشرق العلا … وأصليت وهي النار في مغرب الكفرأ

ولم استهلت بالسلام صلاتهم … أهلت إلى تسليمهم سدة القصر

فكروا يعيدون السلام على الذي … يعاود عنهم في العدى صادق الكر

يحيون بالإعظام مولى حنانه … أخص بهم من رأفة الوالد البر

ووافر سرير الملك يستلمونه … كمستلم الحجاج للركن والحجر

مشاهد غارت في البلاد وأنجدت … محققة الأبناء طيبة النشر

أنارت فما بالخلد عنهن من عمى … ولا بزباب الرمل عنهن من وقر

فكيف بأبصار أضاءت لها المنى … إليك وأسماع صغت فيك للجبر

ولا مثل مجلو النواظر بالعدى … بياتا ومفتوق المسامع بالذعر

توقى فأبلى عذر ناج مخاطر … فرد المنايا عنه مبنية العذر

وآنس يا منصور عندك نفسه … فجلى لنا تحت الدجى ناظري صقر

فأهوى إلى مثواك أمض من الهوى … وأسرى إلى مأواك أخفى من السر

فكم جزت من سيف لقتلي منتضى … وجاوزت من ليث لضغمي مقتر

فيا خزي ذا من سبق خطو مخاطر … ويا لهف ذا من فوت غرة مغتر

كأن خفوق القلب مد جوانحي … بأجنحة ريشت من الروع والذعر

وتحت جناحي مقدمي وتعطفي … ثمان وعالت بالبنين إلى الشطر

أخذت لهم إصر الحياة فأجلوا … وقد أخذ الإشفاق مني لهم إصري

فحملتهم وزرا ولو خف منهم … جناحي لكان الطود أيسر من وزري

فلله من أعداد أنجم يوسف … تحملها منها أقل من العسر

إلى كل مأوى للجلاء هوى بنا … إلى حيث لا مهوى عقاب ولا تبر

رحلت له عوجا كأنها هويها … ……………

طوين بنا بعد السفار كأنها … …………….

وربتما استودعتنا بطن حرة … ……………

رحيبة مأوى الضيف مانعة القرى … ……….

فكم لي بين اللوح واللوح طائرا … ………..

وكم أسلموا للعسف والخسف من حمي … وكم ..

وكم وجهوا وجها لبارقة الظبى … …………

وكم أقدموا بين المنايا كما هوت … ………..

وكم بدلو من وجه راع وحافظ … ………..

ومن رفرف الأستار دون حجالها … ………..

ومن ساجع الأطيار فوق غصونها … ……….

تنادي عزيف الجن في ظلم الدجى … ………

وكم زفرة نمت عليهم بحسرة … ………….

وثلاث عيون الشامتين إلى القرى … ………..

وماذا جلا وجه الجلاء محاسنا … …………..

وماذا تلظى الحر في حر أوجه … تنسم فيه برد ظل على نهر

وماذا أجن الليل في موحش الفلا … أوانس بالأتراب في يربع الزهر

وماذا ترامى الموج في غول لجة … بلاهية بين الأرائك والخدر

فإن نبت الأوطان من بعد عنهم … فلا محجري حجر عليهم ولا حجري

وإن ضاق رحب الأرض عن منتواهم … فرحب لهم ما بين سحري إلى بحري

وإن تقس أكباد كرام عليهم … فواكبدي ممن تذوب له صخري

وإن تبرم الأيسار في أزماتهم … فأحبب بأيسار قمرت لهم يسري

ففازوا بنفسي غير جزء ذخرته … لما شف من خطب وما مس من ضر

فعفو لهم جهدي وحلو لهم مري … وصفو لهم طرفي ويسر لهم عسري

وإن أضرموا قلبي فجمري لهم ند … وإن غيضوا شربي فروضي لهم

ودائع نفسي عند نفسي حفظتها … بما ضاع من حقي وما هان من قدري

قليل غناهم عن يدي وغناؤهم … سوى أنهم من ضيم كسبي لهم عذري

وأني لهم في ماء وجهي تاجر … أغنمهم غنمي وأربحهم خسري

وأسلم في وخز السفى ثمر المنى … وأبذل في قذف الحصى جوهر الشكر

وإن نففت عندي بضاعة قانع … تقنعت منها في خزاية معتر

وأنجم أنواء تنوء بها النوى … وليس لها إلا دموعي من قطر

ولا مطلع إلى مهادي أو حجري … ولا مغرب إلا ضلوعي أو صدري

إذا ازدحموا في ضنك شربي تمثلوا … بأسباط لموسى عند منفجر الصخر

فما جهدوا فلكا كما جهدوا يدي … ولا أنقضوا ظهرا كما أنقضوا ظهري

كأن لهم وترا علي وما انتحى … لهم حادث إلا وفي نفسه وتري

ولولاهم لم أبد صفحة معدم … ولم أسمع الأعداء دعوة مضطر

ولا جدت للدنيا بخلة واصل … ولو برزت لي في غيائلها الخضر

وناديت في بيض النضار وصفرها … لغيري فابيضي إذا شئت واصفري

ولكن أبى ما في الفؤاد من الأسى … وأعضل ما بين الضلوع من الجمر

وما لف عهد الله في ثوب غربتي … من الآنسات الشعث والأفرخ الزعر