لعل سنا البرق الذي أنا شائم – ابن دارج القسطلي
لعل سنا البرق الذي أنا شائم … يهيم من الدنيا بمن أنا هائم
أما في حشاه من جواي مخايل … أما في ذراه من جفوني مياسم
لقد برحت منه ضلوع خوافق … وقد صرحت منه دموع سواجم
ونفح صبا يهفوا على جنباته … كتصعيد أنفاسي إذا لام لائم
وتحنان دعد صادع لمتونه … كما زفرت نفسي بمن أنا كاتم
وميض تشب الريح والرعد ناره … كما شب نيران المجوس الزمازم
حميل بحمل الراسيات إلى الذي … تحملني عنه القلاص الرواسم
وما أنجدت فيه النجود تصبري … ولا اتهمت وجدي عليه التهائم أ
سوى لوعة لو يغلب الصبر نارها … لشامني البرق الذي أنا شائم
فإن يسق من أهوى فدمعي مسعد … وإن يلقه دوني فأنفي راغم
كفاني التماح الشمس والبدر وجهه … وما اقتبست منه النجوم العواتم
وما تجتني من طيب أردانه الصبا … ومن ورد خديه الرياض النواعم
فلهفي على قرن من الشمس ساطع … تجلله كسف من الليل فاحم
إذا زارني أعشى جفون رقيبه … وأخرس عني ما تقول اللوائم
وآذن أنفاسي ونفسي بنشره … ورياه أنفاس الرياح النواسم
وبشرني من قبله صوت حليه … تجاوبه فوق الغصون الحمائم
إلى ملتقى قلبين ضم عليهما … جوانحه جنح من الليل عاتم
ومعتنق كالجفن أطبق نائما … على ضم إنسانين والدهر نائم
فبتنا وقاضي الوصل يحكم في الهوى … وغانم قلبي بالحكومة غارم
أمص من الكافور مسكا وأجتني … من الوشي رمانا زهته المقادم
ويرجع روح النفس ما أنا ناشق … ويجبر صدع القلب ما أنا لازم
وأرشف من حصباء در وجوهر … رحيق مدام سكره بي دائم
وفي كبدي حر من الشوق لاعج … وفي عضدي غصن من البان ناعم
يقر هواه أنه لي قاتل … وقلبي له من جفوة الشوق راحم
أجنب أنفاسي أزاهر حسنه … لعلمي أن النور بالنار ناهم
وأغمض لحظي عن جنى وجناته … مخافة أن السهم للورد جاهم
وما صرع القتلى كعينيه صارع … ولا كلم الجرى كصدغيه كالم
فإن أشف وجدي من تباريح ظلمه … بضمي له أيقنت أني ظالم
وإن أحي نفسي فيه من ميتة الهوى … بلثمي له لم أعد أني آثم
فكيف وقد غارت به أنجم النوى … وقيد دون الماء حران هائم
متاع من الدنيا أراني فراقه … بعين النهى والحلم أني حالم
وقد صرمته حادثات كأنها … بيمناك يا منصور بيض صوارم
يضرمها أمثالهن كتائب … يقدمها أشباههن عزائم ب
أسنتها للمهتدين كواكب … وأعلامها للمسلمين معالم
وآثارها في الأرض أشلاء كافر … وغاو وفي جو السماء غمائم
وفي كبد الطاغوت منها صوارع … وفي فقر الشيطان منها قواصم
بكل تجيبي إليك انتسابه … وإن أنجيته تغلب والأراقم
ومختار يمناك العلية نسبة … وان سفرت يربوع عنها ودارم
وأذهلهم جدواك عن كل مفخر … وإن فخرت ذهل بها واللهازم
أسود إذا لاقوا وطير إذا دعوا … أيامنهم للمعتدين أشائم
تلمظ في الأيسار منهم أساود … وتهتز في الأيمان منهم أراقم
ظماء وما غير الدماء مشارب … لهن ولا غير القلوب مطاعم
عرست الفلا منها غياضا أرومها … حماة الحمى والصافنات الصلادم
إذا ما دنت من شربها أجنت الردى … وكان جناهن الطلى والجماجم
فأنستك يا منصور روض حدائق … تلاعب فيهن المنى وتنادم
يضاحك في أرض الزمرد شمسها … دنانير من ضرب الحيا ودراهم
وألهتك عن ليل كواكبه المها … وعن أبرج أقمارهن الكرائم
وما شغلت يمناك عن بذل ما حوت … وإن غار منهن الندى والمكارم
فخاصمن بيض الهند فيك إلى العلا … وحق لمن في القرب منك يخاصم
فإن عزها من صدق بأسك شاهد … فقد سنها من عدل حكمك حاكم
بيوم إلى الهيجا ويوم إلى الندى … وما عال مقسوم والا جار قاسم
ونوديت يوم الجود للسلم في العدى … فجدت به والمرهفات رواغم
حذارا على إلف الهوى غربة النوى … وما إلفها إلا الوغى والملاحم
وعودتها طعم السباع فأشفقت … بإغبابه أن تدعيه البهائم
وكلفتها رزق الذئاب فأحشمت … لذيب عوى تحت الدجى وهو صائم
ومنيتها نفس ابن شنج فأسمحت … مسالمة من بعده من تآلم
على أن بعض العفو قتل ومغنم … وما رد ربح الملك في الحرب حازم
أ فإن قتيل السيف للذيب مطعم … وإن قتيل العفو للملك خادم
فيا لبروق لم يزلن صواعقا … على الكفر غيث الأمن منهم ساجم
نقطع بالأمس الرقاب ووصلت … بها اليوم أرحام لهم ومحارم
غدت وهي أعراس لهم وعرائس … وبالأمس موت فيهم ومآتم
بعقد بناء أنت شدت بناءه … وليس له في الأرض غيرك هادم
فرنجة أعلاه وقشتل أسه … وسلمك أركان له ودعائم
فملكت تاج الملك تاج مليكة … لتاجيهما تعنو الملوك الخضارم
وتوجتها فوق الأكاليل والذرى … خوافق تغشاها النسور القشاعم
وحليتها بعد الدماليج والبرا … حليا لآليه القنا والصوارم
وضمختها من طيب ذكرك في الورى … بأضعاف ما تهدي إليها اللطائم
ونظمت آفاق الفلا لزفافها … خيولا حمت ما قلدتها النواظم
منى كان فيها لابن شنج منية … يغرغر منها راهق الروح كاظم
مرجت عليه لج بحرين يلتقي … على نفسه تياره المتلاطم
وغادرته ما بين طودين أطبقا … حتوفا تصادي نفسه وتصادم
وأسلمه الأشياع بوا بقفرة … سراياك أظار عليه روائم
فليس له من ناصر الدين ناصر … وليس له من عاصم الملك عاصم
وقد صدرت عنه خيولك آنفا … وأحشاؤه فيء لها ومغانم
أقاطيع ملء الأرض أصوات خيلها … وأنعامها عما يكن تراجم
يناجي نفوسا حازهن غنائما … بأمنك قد حانت عليها المغارم
وأفعال خفض كنت تشكلها له … برفعك قد أوفت عليها الجوازم
بغزوة ميمون النقيبة ثائر … عزائمه في الناكثين هزائم
وكم طمست عينيه برقة مقدم … تلألأ فيها مجدك المتقادم
تجللها جداك عمرو وتبع … وأعقبها عماك كعب وحاتم
ومن أعربت فيه أعاظم يعرب … فمستصغر في أصغريه العظائم
مآثر لم يسبق إليهن سابق … ولا رامها من قبل سعيك رائم
كسا العرب العرباء منهن مفخر … تصلب منه للوجوه الأعاجم
وشدت بها في الروم والقوط رفعة … تسامي بها عند السها وتزاحم
وصرت بها أقلام ضيفك صرة … تصر لها الآذان بصرى وجاسم
فزودها الركبان شرقا ومغربا … ووافت بها جمع الحجيج المواسم
وما لي لا أبلي بذكرك في الورى … بلاء تهاداه القرون النواجم
وأطلعه شمسا على كل أمة … يكذب فيها عن سنا الشمس زاعم
فيحسدني فيك العراق وشامه … وإياك في عبد شمس وهاشم
بخست إذن سعيي إليك وهجرتي … وما حملت مني إليك المناسم
وبين ضلوعي بضع عشرة مهجة … ظماء إلى جدوى يديك حوائم
تلذ الليالي لحمها ودماءها … وطعم الليالي عندهن علاقم
قطعت بهن الليل والليل جامد … وخضت بهن الآل والآل جاحم
إذا ملأ الهول المميت صدورها … تحرك من ذكراك فيها تمائم
على شدنيات تطير بركنها … إليك خطوب في القلوب جواثم
فكم غال من أجسامها غول قفرة … وخرم على ألبابهن المخارم
وكم عجزت عنا ذوات قوائم … فعجنا بعوج ما لهن قوائم
جاجئ غربان تطير لنا بها … على مثل أطواد الفيافي نعائم
لها من أعاصير الشمال إذا هوت … خواف ومن عصف الجنوب قوادم
يحاجى بها ما حامل وهو راقد … وما طائر في جوه وهو عائم
سرت من عصا موسى إليه قرابة … فطب بفلق البحر والصخر عالم
وشاهد لقم الحوت يونس فاقتدى … فغاد وسار وهو للسفر لاقم
أعوذ بقرع الموج في جنباتها … إليك بنا أن يقرع السن نادم
وما عبرت عنه جسوم نواحل … وما حسرت عنه وجوه سواهم
وما كتبت في واضحات وجوهنا … إليك الدياجي والرياح السمائم
فلا رجعت عنك الأماني حسيرة … ولا فزعت منا لديك التمائم
ولا ختمت عنك الليالي سريرة … ولا فضت الأيام ما أنت خاتم
ولا نظم الأعداء ما أنت ناثر … ولا نثر الأعداء ما أنت ناظم
ولا عدم الإشراك أنك ظافر … ولا عدم الإسلام أنك سالم
ولا زال للسيف الحنيفي قائم … وأنت به في طاعة الله قائم
جهاد على الكفار بالنصر مقدم … ووجه على الإسلام بالفتح