لا زلتَ غوثاً إذا ناداك ملهوفُ – ابن الرومي

لا زلتَ غوثاً إذا ناداك ملهوفُ … بحيث أنت ومن والاك مكنوفُ

تا للَّهِ ما ضاع معروف نَفَحْتَ به … نحوي ولا بار مدح فيك موصوف

قد قلت إذ طلعتْ نعماكَ تخبرني … إني بفضلك ما عُمِّرت ملْحوفُ

لا يعتبد أحدٌ شعري بنائله … فإنه بأبي العباس مظلوفُ

أيقنتُ إذا وامضتْني منك بارقة ٌ … أني بسيبك مربوعٌ ومخروفُ

ما زلتُ أذكر معروفاً بعثت به … خلفي وقصرك بالمدّاح محفوفُ

والفلْس ربٌّ يخرُّ الساجدون له … والشعر منصرَفٌ عنه ومصروفُ

وآمرين بغير الرشد قلتُ لهم … لا ألفِظُ العذبَ إن العذبَ مرشوف

تاللَّه أبى قليلاً طاب ملبسه … وهل قليلُ مُسوس الماء معيوف

أليس قد جاءني والطير ساكنة ٌ … والنفس آمنة ُ والوجه مكفوف

أنَّي أُرتّبُ شعري فوق نافلة ٍ … عاجتْ عليَّ ووجه الرِّزق مصروف

لئن زهوتُ بشيء لا زمان له … إنِّي إذاً لزهيد الرأي مضعوف

لو كنتُمُ من ذوي التمييز أعجبكم … زوٌجٌ إلى زَوجة ٍ تهواه مزفوف

عُرفٌ يزُفُّ إلى كفٍّ مدفَّعة ٍ … طرف العيون بنور اللَّه مطروف

ما أستقلُّ قليلاً أنت باذله … ذكراك إيايَ بالمعروف معروف

أليس قد لاحظتني منك خاطرة ٌ … إن الشريف لمِن دوني لمشروف

وجهْتَ نحويَ معروفاً تعاظمني … إلاَّ لقدرك إن الحق مكشوف

والعودُ أحمد قولٌ قد جرى مثلاً … وعرفُ مثلك بالعوداتِ موصوف

فأَجره ليَ إن النفس قد ألِفتْ … آثار كفيك والمعروف مألوفُ

لا ينقطعْ وثنائي غيرُ منقطعٍ … كلاّ بل الحِسْي قبل البحر منزوفُ

جدواك أكرمُ من أن لا أصادفها … وقفاً ومدحي عليك الدهرَ موقوفُ

قد سار باسمك مدح لم أوفِّكه … وقد يبلِّغك الغاياتِ محذوفُ

فاكمل بحيث ترى فيه نقيصَتَه … فالبدر وافٍ بحيث الشهر منصوفُ

يا أحمد الخير يا من لا يعدُّ له … بدءٌ جميل بسوءِ العوْد مخلوفُ

سلِّم من الريث والإقلاع جائزتي … فالعُرف بالريث والإقلاع مأْووفُ

وما أزيدك إقبالاً على كرمٍ … وإن غَدا وهو عند الناس مشنوف

أنت الذي لو سكنّا ظل يعطفُهُ … لينُ المهزِّ إذا ما اكتزَّ معطوف

قد كان يحميك حمدَ لناس علمُهُمُ … بأن قلبك بالمعروف مشعوف

وواضعٍ قدماً في المجد قلتُ له … إن المقام الذي حاولتَ زُحلوف

خلِّ العلا لأبي العباء يكفِكَها … وألعب فحسبُ وليد الحي خُذروف

فتى له عزماتٌ في مذاهبه … تمضي فتقضي وصفُّ الزحف مصفوفُ

يا من يعاديه مهلاً إنه رجلٌ … مزلزَلٌ بأعاديه ومخسوفُ

يكيدُ فالسيف مقطوعٌ هناك له … والدرع مهتوكة ٌ والرمح مقصوفُ

فقِرنه الدهرَ مغلوبٌ وهاربه … طِلبٌ ولو حملته الريح مثقوفُ

سالمه تسلمْ وإن خالفتَ موعظتي … فأنت في مخلب العنقاء مخطوفُ

خُذها فإنك أخَّاذٌ نظائِرها … منوَّه بك في العزَّاء مهتوف

يا أجبن الناس من ذمٍّ وأجرأَهم … والجيشُ بالجيش في الهيجاء ملفوف

يا راعياً أصبح القوم الخِماص به … في بِطنة ٍ ما لمن ضافته شُرسوفُ

ولِّيت أمراً فلا المُرعي أمانتَه … فيها مخونٌ ولا المرعيُّ معسوفُ

يا من إذا اختبرت يوماً مذاقتُه … ففيه طعمان معسول ومذعوفُ

يا من مَعاطفه لا الصمُّ حاش له … ولا مكاسره الخوّارة الجُوف

أدعوك دعوة َ ملهوفٍ معوّلة ٌ … وكم أجيب بغوثٍ منك ملهوف

وإنِّني لأرجِّي منك تلبية ً … وذاك في قلب من يدعوك مقذوف

كأنني بك قد أَلْبستني نِعَماً … كأنَّها الفُوف لا بل دونها الفوفُ

ولان لي كلُّ شيء بعد قسوته … فالجذْعُ جُمَّارة ٌ والعظمُ غضروفُ