كذا ينتهي البدر المنير إلى الشمس – ابن دارج القسطلي

كذا ينتهي البدر المنير إلى الشمس … وتمتزج النفس الكريمة بالنفس

وتلتحم الأنساب من بعد بعدها … وتدنو القلوب الموحشات إلى الأنس

وتجمع شمل الوصل من فرقة القلى … ويرفع بند الوصل من مصرع النكس

كجمع سليمان النبي بصهركم … ذوي يمن والشام والجن والإنس

وتأليف ذي القرنين إذ هديت له … كريمة دارا دعوة الروم والفرس

فأهلا بذات التاج من سلف العلا … إلى ابن ذوي التيجان في سالف الحرس

إلى وارث الأحساب هودا وتبعا … وباني العلا بالدين سمكا على أس

ولابس حلم قد تناهى مدى النهى … وحاجب ملك قد علا حاجب الشمس

ويا رب حرب أسمعته دعاءها … بهندية عرب وألسنة خرس

فكم سل من كرب وأنقذ من عمى … وروح من روح ونفس من نفس

وأسبل من غيث وملأ من يد … وكم فك من غل وأطلق من حبس

زكا فرعها في آل ذي النون سنة … بها راقت الأثمار في يابس الغرس

فلله أكفاء تدانوا لصفقة … من الصهر قد جلت عن الغبن والوكس

وذكرهم يوم التخاذل يومهم … بموت عهود كن يحيين بالأمس

فأسمعهم داعي تجيب فمثلوا … الداعي إلى الجود والبأس

فيا ذمة الصهر الذي شد عهدها … بخاتمة الآيات من آية الكرسي

فعفت رسوم الغدر من ظاهر الثرى … وخطت وفاء العهد في صفحة الشمس

وسلت من الإقبال والهدي والهدى … صوارم لا تثنى بدرع ولا ترس

إذا غنمت جاءتك بالأمن والمنى … وإن غضبت أنحت على الشوم والتعس

بسراء مما ثبت الله أو محا … وشحناء مما ينسخ الله أو ينسي

لها أعين أهدى إلى الحق من قطا … وألسنة بالسلم أخطب من قس

وما قصرت عن ساعيي آل مرة … لصلح بني ذبيان والحي من عبس

ولله ما زفت ليحيى كتائب … مروعة الإقدام مرهبة الجرس

يضيء الدجى من عز من حل وسطها … ويظلم عنها ثاقب الوهم والحس

ويحجب بالرايات في مشرق الفلا … ويشرق بالإعظام في الظلم الدمس

وقد رفعت رفع الحصون قبابها … على حلل الإحصان والطهر والقدس

وحليت البيض الصوارم والقنا … على الدر والياقوت لبسا على لبس

هداء هدى سبل الرغائب وانتحى … ينشر ميت السلم من ظلم الرمس

ويوم بناء قد بنى فرجة المنى … بعرس غدت منه المكارم في عرس

وقصر تجلى فيه يحيى ومنذر … صباحا لمن يضحي وبدرا لمن يمسي

وقد أذنا في الأرض حي ومرحبا … إلى المشهد المذكور والمنظر المنسي

يريك النجوم الزهر في مجلس القرى … من الطاس والإبريق والجام والكأس

وسقي ينسي الإلف ريقه إلفه … وطعم له وقع الحياة من النفس

وأمواه ورد في ورود حياضها … شفاء الظماء الهيم من غلة الخمس

وغيم من العود الذكي تراكمت … أعاليه حتى كدن يوجدن باللمس

وغالية تكسو المشيب شبابه … وتنبت سود العذر في الأوجه الملس

مكارم أضحت للرجال مغانما … بلا نصب المغزي ولا سنة الخمس

فإن حملت من بعدها سيف فتنة … يد فتخلت من أناملها الخمس

وإن أوترت قوسا إلى رمي مسلم … فلا انفصلت عن مقبض العضم والعجس

ولا ضاعت الأنساب بالغدر والقلى … ولا بيعت الأحساب بالثمن البخس

ولا زال ما ترجوه أقرب من غد … ولا انفك ما تخشاه أبعد من أمس