قل للربيع اسحب ملاء سحائب – ابن دارج القسطلي

قل للربيع اسحب ملاء سحائب … فاجرر ذيولك في مجر ذوائبي

لا تكدين ومن ورائك أدمعي … مددا إليك بفيض دمع ساكب

وصبابة أنفاسها لك أسوة … إن ضاق ذرعك بالغمام الصائب

وامزج بطيب تحيتي غدق الحيا … فاجعله سقي أحبتي وحبائبي

عهدا كعهدك من عهاد طالما … كست البرود معاهدي وملاعبي

واجنح لقرطبة فعانق تربها … عني بمثل جوانحي وترائبي

حيث استكانت للعفاء منازلي … وهوت بأفلاذ الفؤاد نجائبي

ذللا تعسفن الدجى بأذلة … ولواغبا جبن الفلا بلواغب

وكواكب ناءت بغربتها النوى … فقضت مدامعها بنوء الغارب

من كل مفجوع بترحة راحل … لم يسله طمع بفرحة آيب

كذبته بارقة المنى عن صادق … من ظنه وصدقنه عن كاذب

ظعن سرين الليل ضربة لازم … وسرى إليها الهم ضربة لازب

جمدت عليهن القلوب فأسبلت … فوق المحاجر كل قلب ذائب

وتخازرت عنها العيون فأبرزت … عن أعين بدمائهن سواكب

وتقطعت أسبابهن لطية … وصلت بهن سباسبا بسباسب

يطلبن شأو غرائب لي كلما … نأت البلاد حللن غير غرائب

لحقت بأسباب السماء فأعطيت … فيها خلود أهلة وكواكب

وأعدت الأزمان ماء شبابها … لحنو ظهر أو لرأس شائب

وعقدن بالأبد الأبيد وإن نأى … حلفين حلف مساير ومعاقب

ما بل بحر صوفة وتقاذفت … أمواجه بشمائل وجنائب

هدما إلى هدم وحفظ دم دما … حدب بعطف مشاكه ومناسب

زهر طوالعها لكل غد غد … وجزاؤها رهن بأمس الذاهب

تشدو بها خضر الحمام وحظها … عنقاء ريعت بالغراب الناعب

الأرض التي هي فاركي … وكسوتها الدهر الذي هو سالبي

وملأت منهن العقول عجائبا … ولنقص حظي من تمام عجائبي

غربت الرغائب والمسيح مورثي … إحياء آثاري وخلد مناقبي

شوارد في الأرض غير أوابد … وطوالع في الجو غير غوارب

وقد قضيت من الصبابة حقها … فقضت من الأمل البعيد مآربي

فمنها الصبر الجميل فأسفرت … في آل يحيى عن جميل عواقب

وشددت عقد ختامها فاستفتحت … بمكارم المنصور ضيق مذاهبي

فهل أنت يا زمن الربيع مبلغ … بالمغربين أحبتي وأقاربي

أن الربيع لدي شيمة قاطن … وحيا الغمام علي ديمة دائب

من بعد ما غم الصباح لناظري … واشتف مني البحر جرعة شارب

وأنست بالأهوال حتى لم أبل … ألقاء أسد أم لقاء ثعالب

لم أنشبت في الخطوب مخالبا … حتى انثنت عني بغير مخالب

وشفيت سم عقارب بأساود … ودفعت سم أساود بعقارب

حتى تزفن سمومهن فلم يرع … من نافثات السم ليل الحاطب

وسدكت بالغمرات حتى بلدت … فرمين حبلي فوق ذروة غارب

ادراكتني ذمة من يعرب … مطرت علي ثمار جنة مارب

فهناك أنصلت الأسنة وانتحى … سيفي بها مسحا بسوق ركائبي

ورفعت نارا للعيون وقودها … أقتاب أحداجي ووقر حقائبي

نعم تكاد ترد أيام الصبا … وتعيد أزمان النعيم الذاهب

أيام ألقى الصبح ترب كواكب … أدبا وأحيي الليل خلب كواعب

والمكرمات منازلي ومشاهدي … والمقربات مراكبي ومراقبي

إذا أنت يا زمن الربيع مخيم … في ساحلي ومغيم من جانبي

عبق الروائح من نثير غدائري … غدق السحائب من فضول مشاربي

وتروح مغتبقا شمول شمائلي … وتعود مصطبحا ضريب ضرائبي

تغدو فتستملي بديع محاسني … وتروح تستقري نفيس غرائبي

وتبيت تنشر في الأباطح والربى … زهرا يخبر عنك أنك كاتبي

مما ترف به رياض حدائقي … ويفيض جوهره عباب غواربي

فنظمتها في كل أفق ناذح … وبعثتها مع كل نجم ثاقب

ونظمت يا منصور ذكرك وسطها … نظم العقود على ترائب كاعب

ذكر على الألباب أكرم نازل … وعلى فجاج الأرض أوضح راكب

سور لمجدك رفعت آياتها … أعلام آدابي وذكر مناقبي

فواتح من كل مدح سائر … وخواتم من كل حمد ذاهب

استشرف الثقلان أخطب شاعر … وأصاخت الدنيا لأشعر خاطب

فخطبت والعواء بعض منابري … وأممت والجوزاء بعض محاربي

وكتبت منها لليالي مصحفا … تتلوه ألسنة الزمان الدائب

حتى تركت سناء ملكك حاضرا … في كل أفق عن بلادك غائب

وجلوت للدنيا مثالك في الوغى … تختال بين ذوابل وقواضب

وأريتك الأمم الخلوف متوجا … بخوافق ومكللا بكتائب

ورفعت ستر الليل عنك لغابر … ومقدم ومباعد ومقارب

حتى أريتهم السنا تحت الدجى … وخيال سار في مخيلة سارب

طيار بارقة الوغى بمقادم … كقوادم ومواكب كمناكب

حتى ابن شنج يوم أمك خاضعا … تسعى إليك به ندامة تائب

من بعد ما راز البلاد فلم يجد … في الأرض عن مأواك مهرب هارب

ورأى الضلال عليك أضعف ناصر … ورأى الفرار إليك أيمن صاحب

ودعاك معترفا بذلة مذنب … وأتاك مشتملا بمبسة راهب

ولقد تراءت في ذراك مطالعي … حين استبد تغربي بمغاربي

فختمت طول تقلبي بتقبلي … وجزيت غر غوائبي برغائب

وأجرتني من كل خطب طارق … حتى مناجاة الرجاء الخائب

ووجدت عند يديك سد مفارقي … وسلو أحزاني وبرء مصائبي

ولقد تجلى العيد عنك بغرة … جلاءة لفوادح وغياهب

يتلوك حاجبك الذي أنجبته … كالشمس إذ ضربت إليك بحاجب

في مشهد بسد جبينك مشرق … شرق بآساد وجرد سلاهب

غر تواعد للطعان صواهل … تختال بين مخاطب ومجاوب

حتى ارتقيت سرير ملكك حفه … نور السرور جوانبا بجوانب

ومددت للتقبيل راحة منعم … تنهل أنملها بحور مواهب

وتكاد تهتف عنك هل من راغب … أو راهب أو خائف أو طالب

فاسلم وكن للأرض آخر عامر … ولغالب الأعداء أول غالب