قصّة من الماضي – عبدالله البردوني
خذها فديتك يا شقيقي … ذكرى أرقّ من الرحيق
و ألذّ من نجوى الهوى … بين العشيقة و العشيق
خذها أرقّ من السنى … في خضرة الروض الوريق
واذكر تهادينا على … كوخ الطفوله و الطريق
و أنا و أنت كموثقين ؛ … نحنّ في القيد الوثيق
نمشي كحيرة زورق … في غضّبة اللّج العميق
و إذا ذكرت لي الطعام … ؛ أكلت أنفاسي وريقي
أيّام كنّا نسرق الرمان … في الوادي السحيق
و نعود من خلف الطريق … و ليلنا أحنى رفيق
و نخاف وسوسة الرياح ؛ … و خضرة الطّيف الرشيق
حتّى نوافي بيتنا … … و الأهل في أشقى مضيق
و هناك جدّتنا تناغينا … مناغاة الشفيق
تهوي الحياة و عمرها … أوهى من الخيط الدقيق
و أبي و أمّي حولنا … بين التنهّد و الشهيق
يتشاكيان من الطوى … شكوى الغريق إلى الغريق
شكواهما صمت كما … يشكو الذّبال من الحريق
وجوارنا قوم لهم … إشراقة العيش الطليق
من كلّ غرّ يمز … بين الأغاني و النهيق
و تراه يزعم شخصـ … ين جوهر المسك الفتيق
يتحادثون عن النقود ؛ … حديث تجار الرقيق
يتخيّرون ملابسا … تصبي و تغري بالبريق
حتّى تراهم صورة … للزور و الجهل الأنيق
و نماذجا برّاقه … لأناقة الخزي العريق
لولا خدّاع ثيابهم … كسدوا بأسواق الحمير
فقراء من خلق الرجال ؛ … و يسخرون من الفقير
و يسائلون مع الرجال ؛ … عن المشاكل و المصير
و مصيرهم بيت البغيذ ؛ … و بيت خمّار شهير
و هناك بنت غضّيه … أحلى من الورد المطير
ترنو و في نظراتها … لغة الدعارة و الفجور
و حدجيثها كالجدول … السلسال فضّي الخرير
حسناء تطرح حسنها … للمترفين ؛ و للأجير
فجمالها مثل الطبيعة ؛ … للنبيل …. و للحقير
في مشيها رقص الحسان ؛ … و خفّة الطفل الغرير
و يكاد يعشق بعضها … بعضا من الحسن المثير
أودى أبوها و هو في … إشراقه العمر القصير
يحنو و ينثر … ماله … للطفل و الشيخ الكبير
يرعى الجميع فكلّـ … لب سماويّ الضمير
و بكت إلى أختي كما … يبكي الأسير إلى الأسير
و مشت على شوك المآسي … الحمر و اليتم المرير
و الحزن في قسماتها … كالشك في قلب الغيور
تعرى فتكسوها الطبيعة … حلّة الحسن النظير
صبغت ملامحها الطبيعة … من سنا البدر المنير
من وقدة الصيف البهيج … و هدأة اللّيل الضرير
و من الأشعّة و الشذى … و صراحة الماء النمير
فتعانقت فيها المباهج ؛ … كالأشعّة … و العبير
قل لي . أتذكر يا أخي … من تلك جارتنا الشهيّة ؟
هي فوق فلسفة التراب … و غلظة الأرض الدنيّة
رحمت مجانين الغواية … فهي مشفقة غويّة
كانت ربيع الأمنيات ؛ … و أغنيات الشاعريّة
فانصت إليّ فلم تزل … من قصّة الماضي بقيّة
حدّق ترى ماضيك فيها ، … فهي صورته الجليّة
ما كان أذكى ” مرشدا ” … و أبرّ طلعته الزكيّه
كان ابتسامات الحزين ؛ … و فرحة النفس الشجيّة
عيناه من شعل الرشاد ، … و كلّه من عبقريّة
إن لم يكن في الأنبياء … فروحه المثلى نبيّة
كان ابن عمّي يزدريه ؛ … فلا يضيق من الزريّه
و من ابن عمّي ؟ جاهل … فظّ كليل الجاهليّة
يرنو إلينا … مثلما … يرنو العقور إلى الضحيّة
نعرى ؛ و يسبح في النقود ؛ … و في الثياب القيصريّة
و نذوب من حرق الظماء … و عنده الكأس الرويّه
و الكرم في بستانه … يلد العناقيد الجنيّه
حتّى تزوّج أربعا … أشقته واحدة شقيّة
فكأنّ ثروته دخان … ضاع في غسق العشيّة
فهوى إلينا و التقينا ؛ … كالأسارى في البليّة
و أتى الخريف و كفّه … تومي بأشداق المنيّة
و توقع الحيّ الفنا … فتغيّرت صور القضيّة
و تحرّك الفلك الدؤوب … فأقبلت دنيا رخيّة
قل لي : شقيقي هل ذكر … ت عهود ماضينا القصيّة
خذها فديتك قصّة … دفاته النجوى سخيّة
و إلى التلاقي يا أخي … في قصّة أخرى طريّة
و الآن أختم الكتا … ب ختامه أزكى تحيّة