في الخد أن عزم الخليط رحيلا – المتنبي

في الخَدّ أنْ عَزَمَ الخَليطُ رَحيلا … مَطَرٌ تَزيدُ بهِ الخُدودُ مُحُولا

يا نَظْرَةً نَفَتِ الرُّقادَ وغادَرَتْ … في حَدّ قَلبي ما حَيِيتُ فُلُولا

كَانَتْ مِنَ الكَحْلاءِ سُؤلي إنّما … أجَلي تَمَثّلَ في فُؤادي سُولا

أجِدُ الجَفَاءَ على سِواكِ مُرُوءَةً … والصّبرَ إلاّ في نَواكِ جَميلا

وأرَى تَدَلُّلَكِ الكَثيرَ مُحَبَّباً … وأرَى قَليلَ تَدَلُّلٍ مَمْلُولا

حَدَقُ الحِسانِ من الغواني هِجنَ لي … يَوْمَ الفِراقِ صَبابَةً وغَليلا

حَدَقٌ يُذِمّ مِنَ القَواتِلِ غيرَها … بَدْرُ بنُ عَمّارِ بنِ إسْماعِيلا

ألفَارِجُ الكُرَبَ العِظامَ بمِثْلِها … والتّارِكُ المَلِكَ العزيزَ ذَليلا

مَحِكٌ إذا مَطَلَ الغَريمُ بدَيْنِهِ … جَعَلَ الحُسامَ بمَا أرَادَ كَفيلا

نَطِقٌ إذا حَطّ الكَلامُ لِثامَهُ … أعْطَى بمَنْطِقِهِ القُلُوبَ عُقُولا

أعْدَى الزّمانَ سَخاؤهُ فَسَخا بهِ … ولَقَدْ يكونُ بهِ الزّمانُ بَخيلا

وكأنّ بَرْقاً في مُتُونِ غَمامةٍ … هِنْدِيُّهُ في كَفّهِ مَسْلُولا

ومَحَلُّ قائِمِهِ يَسيلُ مَواهِباً … لَوْ كُنّ سَيْلاً ما وَجَدْنَ مَسيلا

رَقّتْ مَضارِبُهُ فَهُنّ كأنّمَا … يُبْدينَ مِنْ عِشقِ الرّقابِ نُحُولا

أمُعَفِّرَ اللّيْثِ الهِزَبْرِ بسَوْطِهِ … لمَنِ ادّخَرْتَ الصّارِمَ المَصْقُولا

وَقَعَتْ على الأُرْدُنّ مِنْهُ بَلِيّةٌ … نُضِدَتْ بها هامُ الرّفاقِ تُلُولا

وَرْدٌ إذا وَرَدَ البُحَيرَةَ شارِباً … وَرَدَ الفُراتَ زَئِيرُهُ والنّيلا

مُتَخَضّبٌ بدَمِ الفَوارِسِ لابِسٌ … في غِيلِهِ مِنْ لِبْدَتَيْهِ غِيلا

ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا … تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا

في وَحْدَةِ الرُّهْبَانِ إلاّ أنّهُ … لا يَعْرِفُ التّحْرِيمَ والتّحْليلا

يَطَأُ الثّرَى مُتَرَفّقاً مِنْ تِيهِهِ … فكأنّهُ آسٍ يَجُسّ عَلِيلا

ويَردّ عُفْرَتَه إلى يَأفُوخِهِ … حتى تَصِيرَ لرَأسِهِ إكْليلا

وتَظُنّهُ مِمّا يُزَمْجِرُ نَفْسُهُ … عَنْها لِشِدّةِ غَيظِهِ مَشْغُولا

قَصَرَتْ مَخَافَتُهُ الخُطى فكأنّما … رَكِبَ الكَميُّ جَوادَهُ مَشْكُولا

ألْقَى فَريسَتَهُ وبَرْبَرَ دونَهَا … وقَرُبْتَ قُرْباً خالَهُ تَطْفِيلا

فتَشابَهَ الخُلُقانِ في إقْدامِهِ … وتَخالَفَا في بَذْلِكَ المأْكُولا

أسَدٌ يَرَى عُضْوَيهِ فيكَ كِلَيْهِما … مَتْناً أزَلَّ وساعداً مَفْتُولا

في سرْجِ ظامِئَةِ الفُصوصِ طِمِرّةٍ … يأبَى تَفَرُّدُها لهَا التّمْثيلا

نَيَّالةِ الطَّلِبَاتِ لَوْلا أنَّهَا … تُعْطي مَكانَ لِجامِها مَا نِيلا

تَنْدَى سَوالفُها إذا استَحضَرْتَها … ويُظَنّ عَقْدُ عِنانِها مَحْلُولا

ما زالَ يَجْمَعُ نَفْسَهُ في زَوْرِهِ … حتى حَسِبْتَ العَرْضَ منه الطّولا

ويَدُقّ بالصّدْرِ الحِجارَ كأنّه … يَبْغي إلى ما في الحَضِيضِ سَبيلا

وكأنّهُ غَرّتْهُ عَيْنٌ فادّنَى … لا يُبْصِرُ الخَطْبَ الجَليلَ جَليلا

أنَفُ الكَريمِ مِنَ الدّنيئَةِ تارِكٌ … في عَينِهِ العَدَدَ الكَثيرَ قَليلا

والعارُ مَضّاضٌ ولَيسَ بخائِفٍ … مِنْ حَتْفِهِ مَنْ خافَ ممّا قِيلا

سَبَقَ التِقاءَكَهُ بوَثْبَةِ هاجِمٍ … لَوْ لم تُصادِمْهُ لجازَكَ مِيلا

خَذَلَتْهُ قُوّتُهُ وقَدْ كافَحْتَهُ … فاستَنْصَرَ التّسْليمَ والتّجْديلا

قَبَضَتْ مَنِيّتُهُ يَدَيْهِ وعُنْقَهُ … فَكَأنّما صادَفْتَهُ مَغْلُولا

سَمِعَ ابنُ عَمّتِهِ بهِ وبحالِهِ … فنَجا يُهَرْوِلُ أمسِ منكَ مَهُولا

وأمَرُّ مِمّا فَرّ مِنْهُ فِرارُهُ … وكَقَتْلِهِ أنْ لا يَمُوتَ قَتيلا

تَلَفُ الذي اتّخَذَ الجراءَةَ خُلّةً … وعَظَ الذي اتّخَذَ الفِرارَ خَليلا

لَوْ كانَ عِلْمُكَ بالإلهِ مُقَسَّماً … في النّاسِ ما بَعَثَ الإلهُ رَسُولا

لَوْ كانَ لَفْظُكَ فيهِمُ ما أنزَلَ الـ … ـفُرْقانَ والتّوْراةَ والإنْجيلا

لَوْ كانَ ما تُعطيهِمُ من قبلِ أنْ … تُعْطيهِمُ لَمْ يَعرِفُوا التّأمِيلا

فلَقَدْ عُرِفْتَ وما عُرِفتَ حَقيقَةً … ولقد جُهِلْتَ وما جُهِلْتَ خُمُولا

نَطَقَتْ بسُؤدُدِكَ الحَمامُ تَغَنّياً … وبما تُجَشّمُها الجِيادُ صَهيلا

ما كلّ مَنْ طَلَبَ المَعالي نافِذاً … فيها ولا كُلّ الرّجالِ فُحُولاَ