فراق ومن فارقت غير مذمم – المتنبي

فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ … وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ

وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ … إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ

سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً … منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ

رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ … عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ

وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ … بأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ

فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ … عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ

رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى … هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي

إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ … وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ

وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِهِ … وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ

أُصَادِقُ نَفسَ المرْءِ من قبلِ جسمِهِ … وَأعْرِفُهَا في فِعْلِهِ وَالتّكَلّمِ

وَأحْلُمُ عَنْ خِلّي وَأعْلَمُ أنّهُ … متى أجزِهِ حِلْماً على الجَهْلِ يَندَمِ

وَإنْ بَذَلَ الإنْسانُ لي جودَ عابِسٍ … جَزَيْتُ بجُودِ التّارِكِ المُتَبَسِّمِ

وَأهْوَى مِنَ الفِتيانِ كلّ سَمَيذَعٍ … نَجيبٍ كصَدْرِ السّمْهَريّ المُقَوَّمِ

خطتْ تحتَهُ العيسُ الفلاةَ وَخالَطَتْ … بهِ الخَيلُ كَبّاتِ الخميسِ العرَمرَمِ

وَلا عِفّةٌ في سَيْفِهِ وَسِنَانِهِ … وَلَكِنّهَا في الكَفّ وَالطَّرْفِ وَالفَمِ

وَمَا كُلّ هَاوٍ للجَميلِ بفاعِلٍ … وَلا كُلّ فَعّالٍ لَهُ بِمُتَمِّمِ

فِدىً لأبي المِسْكِ الكِرامُ فإنّهَا … سَوَابِقُ خَيْلٍ يَهْتَدينَ بأدْهَمِ

أغَرَّ بمَجْدٍ قَدْ شَخَصْنَ وَرَاءَهُ … إلى خُلُقٍ رَحْبٍ وَخَلْقٍ مُطَهَّمِ

إذا مَنَعَتْ منكَ السّياسةُ نَفْسَها … فَقِفْ وَقْفَةً قُدّامَهُ تَتَعَلّمِ

يَضِيقُ على مَن راءَهُ العُذْرُ أن يُرَى … ضَعيفَ المَساعي أوْ قَليلَ التّكَرّمِ

وَمَن مثلُ كافورٍ إذا الخيلُ أحجَمَتْ … وَكانَ قَليلاً مَنْ يَقُولُ لها اقدِمِي

شَديدُ ثَباتِ الطِّرْفِ والنقعُ وَاصِلٌ … إلى لهَوَاتِ الفَارِسِ المُتَلَثِّمِ

أبا المسكِ أرْجو منك نصراً على العِدى … وآمُلُ عِزّاً يخضِبُ البِيضَ بالدّمِ

وَيَوْماً يَغيظُ الحاسِدينَ وَحَالَةً … أُقيمُ الشّقَا فِيها مَقامَ التّنَعّمِ

وَلم أرْجُ إلاّ أهْلَ ذاكَ وَمَنْ يُرِدْ … مَوَاطِرَ من غَيرِ السّحائِبِ يَظلِمِ

فَلَوْ لم تكنْ في مصرَ ما سرْتُ نحوَها … بقَلْبِ المَشُوقِ المُستَهامِ المُتَيَّمِ

وَلا نَبَحَتْ خَيلي كِلابُ قَبَائِلٍ … كأنّ بها في اللّيلِ حَمْلاتِ دَيْلَمِ

وَلا اتّبَعَتْ آثَارَنَا عَينُ قَائِفٍ … فَلَمْ تَرَ إلاّ حافِراً فَوْقَ مَنْسِمِ

وَسَمْنَا بها البَيْدَاءَ حتى تَغَمّرَتْ … من النّيلِ وَاستَذرَتْ بظلّ المُقَطَّمِ

وَأبْلَجَ يَعصِي باختِصاصي مُشِيرَهُ … عَصَيْتُ بقَصْدِيهِ مُشيرِي وَلُوَّمي

فَسَاقَ إليّ العُرْفَ غَيرَ مُكَدَّرٍ … وَسُقْتُ إلَيْهِ الشكرَ غيرَ مُجَمجَمِ

قدِ اخترْتُكَ الأملاكَ فاخترْ لهمْ بنا … حَديثاً وَقد حكّمتُ رَأيَكَ فاحكُمِ

فأحْسَنُ وَجهٍ في الوَرَى وَجهُ مُحْسِنٍ … وَأيْمَنُ كَفٍّ فيهِمِ كَفُّ مُنعِمِ

وَأشرَفُهُمْ مَن كانَ أشرَفَ هِمّةً … وَأكثرَ إقداماً على كلّ مُعْظَمِ

لمَنْ تَطْلُبُ الدّنْيا إذا لم تُرِدْ بها … سُرُورَ مُحِبٍّ أوْ مَساءَةَ مُجرِمِ

وَقَدْ وَصَلَ المُهْرُ الذي فوْقَ فَخْذِهِ … منِ اسمِكَ ما في كلّ عنقٍ وَمِعصَمِ

لكَ الحَيَوَانُ الرّاكبُ الخَيلَ كلُّهُ … وَإنْ كانَ بالنّيرانِ غيرَ موَسَّمِ

وَلَوْ كنتُ أدرِي كم حَياتي قَسَمتُها … وَصَيّرْتُ ثُلثَيها انتِظارَكَ فاعْلَمِ

وَلَكِنّ ما يَمضِي منَ الدّهرِ فائِتٌ … فَجُدْ لي بخَطّ البادِرِ المُتَغَنِّمِ

رَضِيتُ بمَا تَرْضَى بهِ لي مَحَبّةً … وَقُدْتُ إلَيكَ النّفسَ قَوْدَ المُسَلِّمِ

وَمِثْلُكَ مَن كانَ الوَسيطَ فُؤادُهُ … فَكَلّمَهُ عَنّي وَلَمْ أتَكَلّمِ