فديناك من ربع وإن زدتنا كربا – المتنبي
فَدَيْناكَ مِنْ رَبْعٍ وَإنْ زِدْتَنَا كرْبا … فإنّكَ كنتَ الشرْقَ للشمسِ وَالغَرْبَا
وَكَيفَ عَرَفْنا رَسْمَ مَنْ لم يدَعْ لَنا … فُؤاداً لِعِرْفانِ الرّسومِ وَلا لُبّا
نَزَلْنَا عَنِ الأكوارِ نَمشِي كَرامَةً … لمَنْ بَانَ عَنهُ أنْ نُلِمّ بهِ رَكْبَا
نَذُمُّ السّحابَ الغُرَّ في فِعْلِهَا بِهِ … وَنُعرِضُ عَنها كُلّما طَلَعتْ عَتْبَا
وَمن صَحِبَ الدّنيا طَوِيلاً تَقَلّبَتْ … على عَيْنِهِ حتى يَرَى صِدْقَها كِذبَا
وَكيفَ التذاذي بالأصائِلِ وَالضّحَى … إذا لم يَعُدْ ذاكَ النّسيمُ الذي هَبّا
ذكرْتُ بهِ وَصْلاً كأنْ لم أفُزْ بِهِ … وَعَيْشاً كأنّي كنتُ أقْطَعُهُ وَثْبَا
وَفَتّانَةَ العَيْنَينِ قَتّالَةَ الهَوَى … إذا نَفَحَتْ شَيْخاً رَوَائِحُها شَبّا
لهَا بَشَرُ الدُّرّ الذي قُلّدَتْ بِهِ … وَلم أرَ بَدْراً قَبْلَهَا قُلّدَ الشُّهْبَا
فَيَا شَوْقُ ما أبْقَى ويَا لي من النّوَى … ويَا دَمْعُ ما أجْرَى ويَا قلبُ ما أصبَى
لَقد لَعِبَ البَينُ المُشِتُّ بهَا وَبي … وَزَوّدَني في السّيرِ ما زَوّدَ الضّبّا
وَمَن تكُنِ الأُسْدُ الضّواري جُدودَه … يكُنْ لَيلُهُ صُبْحاً وَمَطعمُهُ غصْبَا
وَلَسْتُ أُبالي بَعدَ إدراكيَ العُلَى … أكانَ تُراثاً ما تَناوَلْتُ أمْ كَسْبَا؟
فَرُبّ غُلامٍ عَلّمَ المَجْدَ نَفْسَهُ … كتعليمِ سيفِ الدّوْلة الطّعنَ والضرْبَا
إذا الدّوْلَةُ استكفَتْ بهِ في مُلِمّةٍ … كفاها فكانَ السّيفَ والكَفّ والقَلْبَا
تُهابُ سُيُوفُ الهِنْدِ وَهْيَ حَدائِدٌ … فكَيْفَ إذا كانَتْ نِزارِيّةً عُرْبَا
وَيُرْهَبُ نَابُ اللّيثِ وَاللّيْثُ وَحدَهُ … فكَيْفَ إذا كانَ اللّيُوثُ لهُ صَحبَا
وَيُخشَى عُبابُ البَحْرِ وَهْوَ مكانَهُ … فكَيفَ بمَنْ يَغشَى البِلادَ إذا عَبّا
عَلِيمٌ بأسرارِ الدّيَانَاتِ وَاللُّغَى … لهُ خَطَرَاتٌ تَفضَحُ النّاسَ والكُتْبَا
فَبُورِكْتَ مِنْ غَيْثٍ كأنّ جُلودَنَا … به تُنْبِتُ الدّيباجَ وَالوَشْيَ وَالعَصْبَا
وَمن وَاهِبٍ جَزْلاً وَمن زاجرٍ هَلا … وَمن هاتِكٍ دِرْعاً وَمن ناثرٍ قُصْبَا
هَنيئاً لأهْلِ الثّغْرِ رَأيُكَ فيهِمِ … وَأنّكَ حزْبَ الله صرْتَ لهمْ حِزْبَا
وَأنّكَ رُعْتَ الدّهْرَ فيهَا وَرَيبَهُ … فإنْ شَكّ فليُحدِثْ بساحتِها خَطْبَا
فيَوْماً بخَيْلٍ تَطْرُدُ الرّومَ عنهُمُ … وَيَوْماً بجُودٍ تطرُدُ الفقرَ وَالجَدْبَا
سَراياكَ تَتْرَى والدُّمُسْتُقُ هارِبٌ … وَأصْحابُهُ قَتْلَى وَأمْوالُهُ نُهْبَى
أتَى مَرْعَشاً يَستَقرِبُ البُعدَ مُقبِلاً … وَأدبَرَ إذ أقبَلْتَ يَستَبعِدُ القُرْبَا
كَذا يَترُكُ الأعداءَ مَن يَكرَهُ القَنَا … وَيَقْفُلُ مَنْ كانَتْ غَنيمَتُهُ رُعبَا
وَهَلْ رَدّ عَنهُ باللُّقَانِ وُقُوفُهُ … صُدُورَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القُبَّا
مَضَى بَعدَما التَفّ الرّماحانِ ساعَةً … كما يَتَلَقّى الهُدْبُ في الرّقدةِ الهُدبَا
وَلَكِنّهُ وَلّى وَللطّعْنِ سَوْرَةٌ … إذا ذَكَرَتْها نَفْسُهُ لَمسَ الجَنْبا
وَخَلّى العَذارَى والبَطاريقَ والقُرَى … وَشُعثَ النّصارَى والقَرابينَ وَالصُّلبَا
أرَى كُلَّنَا يَبْغي الحَيَاةَ لنَفْسِهِ … حَريصاً عَلَيها مُسْتَهاماً بها صَبّا
فحُبُّ الجَبَانِ النّفْسَ أوْرَدَهُ البَقَا … وَحُبُّ الشّجاعِ الحرْبَ أوْرَدهُ الحرْبَا
وَيخْتَلِفُ الرّزْقانِ والفِعْلُ وَاحِدٌ … إلى أنْ تَرَى إحسانَ هذا لِذا ذَنْبَا
فأضْحَتْ كأنّ السّورَ من فوْقِ بدئِهِ … إلى الأرْضِ قد شَقَّ الكواكبَ والتُّربَا
تَصُدّ الرّياحُ الهُوجُ عَنْهَا مَخافَةً … وَتَفْزَعُ فيها الطّيرُ أن تَلقُطَ الحَبّا
وَتَرْدي الجِيادُ الجُرْدُ فوْق جبالها … وَقد نَدَفَ الصِّنّبرُ في طُرْقها العُطْبَا
كَفَى عَجَباً أنْ يَعجَبَ النّاسُ أنّهُ … بَنى مَرْعَشاً؛ تَبّاً لآرائِهِمْ تَبّا
وَما الفَرْقُ ما بَينَ الأنامِ وَبَيْنَهُ … إذا حَذِرَ المحذورَ وَاستصْعبَ الصّعبَا
لأمْرٍ أعَدّتْهُ الخِلافَةُ للعِدَى … وَسَمّتْهُ دونَ العالَمِ الصّارِمَ العَضْبَا
وَلم تَفْتَرِقْ عَنْهُ الأسِنّةُ رَحْمَةً … وَلم تَترُكِ الشّأمَ الأعادي لهُ حُبّا
وَلَكِنْ نَفاها عَنْهُ غَيرَ كَريمَةٍ … كَريمُ الثّنَا ما سُبّ قَطّ وَلا سَبّا
وَجَيْشٌ يُثَنّي كُلّ طَوْدٍ كَأنّهُ … خرِيقُ رِياحٍ وَاجَهَتْ غُصُناً رَطْبَا
كأنّ نُجُومَ اللّيْلِ خافَتْ مُغَارَهُ … فمَدّتْ عَلَيْها مِنْ عَجاجتِهِ حُجْبا
فمن كانَ يُرْضِي اللّؤمَ والكفرَ مُلكُهُ … فهذا الذي يُرْضِي المكارِمَ وَالرّبّا