فدى لك من يقصر عن مداكا – المتنبي

فِدًى لكَ مَن يُقَصّرُ عَن مَداكا … فَلا مَلِكٌ إذَنْ إلاّ فَدَاكَا

وَلَوْ قُلْنا فِدًى لكَ مَن يُساوي … دَعَوْنَا بالبَقَاءِ لِمَنْ قَلاكَا

وَآمَنّا فِداءَكَ كُلَّ نَفْسٍ … وَلَوْ كانَتْ لمَمْلَكَةٍ مِلاكَا

وَمَنْ يَظَّنُّ نَثْرَ الحَبّ جُوداً … وَيَنصِبُ تحتَ ما نَثَرَ الشِّباكَا

وَمَنْ بَلَغَ الحَضِيضَ بهِ كَرَاهُ … وَإنْ بَلَغَتْ بهِ الحالُ السُّكاكَا

فَلَوْ كانَتْ قُلُوبُهُمُ صَديقاً … لَقَدْ كانَتْ خَلائِقُهُمْ عِداكَا

لأنّكَ مُبْغِضٌ حَسَباً نَحِيفاً … إذا أبْصَرْتَ دُنْيَاهُ ضِنَاكَا

أرُوحُ وَقد خَتَمتَ على فُؤادي … بحُبّكَ أنْ يحِلّ بهِ سِوَاكَا

وَقَد حَمّلْتَني شُكْراً طَوِيلاً … ثَقِيلاً لا أُطيقُ بِهِ حَرَاكَا

أُحاذِرُ أن يَشُقّ عَلى المَطَايَا … فَلا تَمْشِي بِنَا إلاّ سِواكَا

لَعَلّ الله يَجْعَلُهُ رَحِيلاً … يُعِينُ على الإقامَةِ في ذَرَاكَا

فلوْ أنّي استَطَعتُ خفَضْتُ طرْفي … فَلَمْ أُبْصِرْ به حتى أرَاكَا

وَكَيفَ الصّبرُ عَنكَ وَقد كَفَاني … نَداكَ المُسْتَفيضُ وَما كَفَاكَا

أتَترُكُني وَعَينُ الشّمسِ نَعلي … فتَقْطَعَ مَشيَتي فيهَا الشِّرَاكَا

أرَى أسَفي وَمَا سِرْنا شَديداً … فكَيفَ إذا غَدا السّيرُ ابترَاكَا

وَهَذا الشّوْقُ قَبلَ البَينِ سَيفٌ … وَهَا أنا ما ضُرِبتُ وَقد أحَاكَا

إذا التّوْديعُ أعرَضَ قالَ قَلبي … عليكَ الصّمتَ لا صاحَبتَ فاكَا

وَلَوْلا أنّ أكْثَرَ مَا تَمَنّى … مُعاوَدَةٌ لَقُلتُ: وَلا مُنَاكَا

إذا اسْتَشْفَيْتَ مِنْ داءٍ بِداءٍ … فأقتَلُ مَا أعَلّكَ ما شَفَاكَا

فأستُرُ مِنكَ نَجْوَانَا وَأُخْفي … هُمُوماً قَد أطَلْتُ لَها العِرَاكَا

إذا عاصَيْتُهَا كانَتْ شِداداً … وَإنْ طاوَعْتُها كانَتْ رِكَاكَا

وَكمْ دونَ الثّوِيّةِ مِنْ حَزِينٍ … يَقُولُ لَهُ قُدومي ذا بِذاكَا

وَمِنْ عَذْبِ الرُّضَابِ إذا أنَخْنَا … يُقَبّلُ رَحْلَ تُرْوَكَ وَالوِرَاكَا

يُحَرِّمُ أنْ يَمَسّ الطّيبَ بَعدي … وَقد عَبِقَ العَبِيرُ بِهِ وَصَاكَا

وَيَمْنَعُ ثَغْرَهُ مِنْ كلّ صَبٍّ … وَيَمْنَحُهُ البَشَامَةَ وَالأرَاكَا

يُحَدّثُ مُقْلَتَيْهِ النّوْمُ عَنّي … فَلَيتَ النّوْمَ حَدّثَ عن نَداكَا

وَأنّ البُخْتَ لا يُعْرِقْنَ إلاّ … وَقد أنضَى العُذافِرَةَ اللِّكَاكَا

وَمَا أرْضَى لمُقْلَتِهِ بِحُلْمٍ … إذا انْتَبَهَتْ تَوَهَّمَهُ ابتِشاكَا

وَلا إلاّ بأنْ يُصغي وَأحْكي … فَلَيْتَكَ لا يُتَيّمُهُ هَوَاكَا

وكم طَرِبِ المَسامعِ ليس يَدري … أيَعْجَبُ مِنْ ثَنَائي أمْ عُلاكَا

وَذاكَ النّشرُ عِرْضُكَ كانَ مِسكاً … وَهَذا الشّعْرُ فِهْرِي وَالمَداكَا

فَلا تَحمَدْهُما وَاحْمَدْ هُماماً … إذا لم يُسْمِ حَامِدُهُ عَنَاكَا

أغَرَّ لَهُ شَمَائِلُ مِنْ أبِيهِ … غَداً يَلْقَى بَنُوكَ بهَا أبَاكَا

وَفي الأحبابِ مُخْتَصٌّ بوَجْدٍ … وَآخَرُ يَدّعي مَعَهُ اشْتِرَاكَا

إذا اشْتَبَهَتْ دُموعٌ في خُدودٍ … تَبَيّنَ مَنْ بَكَى مِمّنْ تَباكَى

أذَمّتْ مَكْرُماتُ أبي شُجاعٍ … لعَيْني مِنْ نَوَايَ عَلى أُلاكَا

فَزُلْ يا بُعْدُ عَنْ أيدي رِكَابٍ … لهَا وَقْعُ الأسِنّةِ في حَشَاكَا

وَأنّى شِئْتِ يا طُرُقي فَكُوني … أذَاةً أوْ نَجَاةً أوْ هَلاكَا

فلَوْ سِرْنَا وَفي تِشرِينَ خَمْسٌ … رأوْني قَبلَ أنْ يَرَوُا السِّماكَا

يُشَرِّدُ يُمْنُ فَنّاخُسْرَ عَنّي … قَنَا الأعْداءِ وَالطّعْنَ الدِّرَاكَا

وَألْبَسُ مِنْ رِضَاهُ في طَريقي … سِلاحاً يَذعَرُ الأعْداءَ شَاكَا

وَمَنْ أعتَاضُ منكَ إذا افْتَرَقْنَا … وَكلُّ النّاسِ زُورٌ ما خَلاكَا

وَمَا أنَا غَيرُ سَهْمٍ في هَوَاءٍ … يَعُودُ وَلم يَجِدْ فِيهِ امتِساكَا

حَيِيٌّ مِنْ إلهي أنْ يَرَاني … وَقَد فارَقْتُ دارَكَ وَاصْطَفَاكَا