عواذل ذات الخال في حواسد – المتنبي

عَوَاذِلُ ذاتِ الخَالِ فيّ حَوَاسِدُ … وَإنّ ضَجيعَ الخَوْدِ منّي لمَاجِدُ

يَرُدّ يَداً عَنْ ثَوْبِهَا وَهْوَ قَادِرٌ … وَيَعصي الهَوَى في طَيفِها وَهوَ راقِدُ

متى يَشتفي من لاعجِ الشّوْقِ في الحشا … مُحِبٌّ لها في قُرْبِه مُتَبَاعِدُ

إذا كنتَ تخشَى العارَ في كلّ خَلْوَةٍ … فَلِمْ تَتَصَبّاكَ الحِسانُ الخَرائِدُ

ألَحّ عَليّ السّقْمُ حتى ألِفْتُهُ … وَمَلّ طَبيبي جانِبي وَالعَوائِدُ

مَرَرْتُ على دارِ الحَبيبِ فحَمْحمتْ … جَوادي وهل تُشجي الجيادَ المعاهدُ

وما تُنكِرُ الدّهْمَاءُ مِن رَسْمِ منزِلٍ … سَقَتها ضَريبَ الشَّوْلِ فيهِ الوَلائِدُ

أهُمّ بشَيْءٍ واللّيَالي كأنّهَا … تُطارِدُني عَنْ كَوْنِهِ وَأُطارِدُ

وَحيدٌ مِنَ الخُلاّنِ في كلّ بَلْدَةٍ … إذا عَظُمَ المَطلُوبُ قَلّ المُساعِدُ

وَتُسْعِدُني في غَمرَةٍ بَعدَ غَمْرَةٍ … سَبُوحٌ لهَا مِنهَا عَلَيْهَا شَوَاهِدُ

تَثَنّى عَلى قَدْرِ الطّعانِ كَأنّمَا … مَفَاصِلُهَا تَحْتَ الرّماحِ مَرَاوِدُ

وَأُورِدُ نَفْسِي والمُهَنّدُ في يَدي … مَوَارِدَ لا يُصْدِرْنَ مَن لا يُجالِدُ

وَلَكِنْ إذا لمْ يَحْمِلِ القَلْبُ كفَّهُ … على حَالَةٍ لم يَحْمِلِ الكَفَّ ساعِدُ

خَليلَيّ إنّي لا أرَى غيرَ شاعِرٍ … فَلِمْ منهُمُ الدّعوَى ومني القَصائِدُ

فَلا تَعْجَبَا إنّ السّيُوفَ كَثيرَةٌ … وَلكِنّ سَيفَ الدّوْلَةِ اليَوْمَ واحِدُ

لهُ من كَريمِ الطبعِ في الحرْبِ مُنتضٍ … وَمن عادةِ الإحسانِ والصّفحِ غامِدُ

وَلمّا رَأيتُ النّاسَ دونَ مَحَلِّهِ … تَيَقّنْتُ أنّ الدّهْرَ للنّاسِ نَاقِدُ

أحَقُّهُمُ بالسّيْفِ مَن ضَرَبَ الطُّلى … وَبالأمْنِ مَن هانَتْ عليهِ الشّدائدُ

وَأشقَى بلادِ الله ما الرّومُ أهلُها … بهذا وما فيها لمَجدِكَ جَاحِدُ

شَنَنْتَ بها الغاراتِ حتى تَرَكْتَها … وَجَفنُ الذي خَلفَ الفَرنْجةِ ساهِدُ

مُخَضَّبَةٌ وَالقَوْمُ صَرْعَى كأنّهَا … وَإنْ لم يكونوا ساجِدينَ مَساجِدُ

تُنَكّسُهُمْ والسّابِقاتُ جِبالُهُمْ … وَتَطْعَنُ فيهِمْ وَالرّماحُ المَكايدُ

وتَضربهم هبراً وَقد سكنوا الكُدَى … كما سكَنَتْ بطنَ الترابِ الأساوِدُ

وتُضحي الحصون المشمخرّاتُ في الذرَى … وَخَيْلُكَ في أعْنَاقِهِنَّ قَلائِدُ

عَصَفْنَ بهمْ يَوْمَ اللُّقَانِ وَسُقنَهم … بهِنريطَ حتى ابيَضّ بالسبيِ آمِدُ

وَألحَقنَ بالصّفصَافِ سابورَ فانهَوَى … وَذاقَ الرّدَى أهلاهُما وَالجَلامِدُ

وَغَلّسَ في الوَادي بهِنّ مُشَيَّعٌ … مُبارَكُ ما تحتَ اللّثَامَينِ عابِدُ

فَتًى يَشْتَهي طُولَ البلادِ وَوَقْتُهُ … تَضِيقُ بِهِ أوْقاتُهُ وَالمَقَاصِدُ

أخُو غَزَواتٍ مَا تُغِبُّ سُيُوفُهُ … رِقابَهُمُ إلاّ وَسَيْحانُ جَامِدُ

فلَم يَبقَ إلاّ مَنْ حَمَاهَا من الظُّبى … لمَى شَفَتَيْها وَالثُّدِيُّ النّوَاهِدُ

تُبَكّي علَيهِنّ البَطاريقُ في الدّجَى … وَهُنّ لَدَينا مُلقَياتٌ كَوَاسِدُ

بذا قضَتِ الأيّامُ ما بَينَ أهْلِهَا، … مَصائِبُ قَوْمٍ عِندَ قَوْمٍ فَوَائِدُ

وَمن شرَفِ الإقدامِ أنّكَ فيهِمِ … على القَتلِ مَوْمُوقٌ كأنّكَ شَاكِدُ

وَأنّ دَماً أجرَيْتَهُ بكَ فَاخِرٌ … وَأنّ فُؤاداً رُعْتَهُ لكَ حَامِدُ

وَكلٌّ يَرَى طُرْقَ الشّجاعَةِ والنّدى … وَلكِنّ طَبْعَ النّفْسِ للنّفسِ قائِدُ

نَهَبْتَ منَ الأعمارِ ما لَوْ حَوَيْتَهُ … لَهُنّئَتِ الدّنْيَا بأنّكَ خَالِدُ

فأنْتَ حُسامُ المُلْكِ وَالله ضَارِبٌ … وَأنْتَ لِواءُ الدّينِ وَالله عَاقِدُ

وَأنتَ أبو الهَيْجا بنُ حَمدانَ يا ابنهُ … تَشَابَهَ مَوْلُودٌ كَرِيمٌ وَوَالِدُ

وحَمدانُ حمدونٌ وَحمدونُ حارثٌ … وَحارِثُ لُقْمانٌ وَلُقْمَانٌ رَاشِدُ

أُولَئِكَ أنْيابُ الخِلافَةِ كُلُّهَا … وَسَائِرُ أمْلاكِ البِلادِ الزّوائِدُ

أُحِبّكَ يا شَمسَ الزّمانِ وبَدْرَهُ … وَإنْ لامَني فيكَ السُّهَى والفَراقِدُ

وَذاكَ لأنّ الفَضْلَ عندَكَ بَاهِرٌ … وَلَيسَ لأنّ العَيشَ عندَكَ بارِدُ

فإنّ قَليلَ الحُبّ بالعَقْلِ صالِحٌ … وَإنّ كَثيرَ الحُبّ بالجَهْلِ فاسِدُ