عقبى اليمين على عقبى الوغى ندم – المتنبي

عُقْبَى اليَمينِ على عُقبَى الوَغَى ندمُ … ماذا يزيدُكَ في إقدامِكَ القَسَمُ

وَفي اليَمينِ عَلى ما أنْتَ وَاعِدُهُ … مَا دَلّ أنّكَ في الميعادِ مُتّهَمُ

آلى الفَتى ابنُ شُمُشْقيقٍ فأحنَثَهُ … فتًى منَ الضّرْبِ تُنسَى عندَه الكَلِمُ

وَفاعِلٌ ما اشتَهَى يُغنيهِ عن حَلِفٍ … على الفِعْلِ حُضُورُ الفعل وَالكَرَمُ

كلُّ السّيوفِ إذا طالَ الضّرَابُ بهَا … يَمَسُّهَا غَيرَ سَيفِ الدّوْلَةِ السّأمُ

لَوْ كَلّتِ الخَيْلُ حتى لا تَحَمَّلُهُ … تَحَمّلَتْهُ إلى أعْدائِهِ الهِمَمُ

أينَ البَطارِيقُ وَالحَلْفُ الذي حَلَفوا … بمَفرِقِ المَلْكِ وَالزّعمُ الذي زَعَموا

وَلّى صَوَارِمَهُ إكْذابَ قَوْلِهِمِ … فَهُنّ ألْسِنَةٌ أفْوَاهُها القِمَمُ

نَوَاطِقٌ مُخْبِرَاتٌ في جَمَاجِمِهِمْ … عَنهُ بما جَهِلُوا مِنْهُ وَما عَلِمُوا

ألرّاجعُ الخَيلَ مُحْفَاةً مُقَوَّدَةً … من كُلّ مثلِ وَبَارٍ أهْلُهَا إرَمُ

كَتَلّ بِطْرِيقٍ المَغرُورِ سَاكِنُهَا … بأنّ دَارَكَ قِنِّسْرِينُ وَالأجَمُ

وَظَنّهِمْ أنّكَ المِصْباحُ في حَلَبٍ … إذا قَصَدْتَ سِوَاها عادَها الظُّلَمُ

وَالشّمسَ يَعنُونَ إلاّ أنّهم جَهِلُوا … وَالمَوْتَ يَدْعُونَ إلاّ أنّهُم وَهَموا

فَلَمْ تُتِمّ سَرُوجٌ فَتحَ نَاظِرِهَا … إلاّ وَجَيشُكَ في جَفْنَيْهِ مُزْدَحِمُ

وَالنّقْعُ يأخُذُ حَرّاناً وَبَقْعتَهَا … وَالشّمسُ تَسفِرُ أحياناً وَتَلْتَثِمُ

سُحْبٌ تَمُرّ بحصْنِ الرّانِ مُمسِكةً … وَمَا بها البُخلُ لَوْلا أنّها نِقَمُ

جَيْشٌ كأنّكَ في أرْضٍ تُطاوِلُهُ … فالأرْضُ لا أَمَمٌ وَالجَيشُ لا أمَمُ

إذا مَضَى عَلَمٌ منها بَدا عَلَمٌ … وَإنْ مَضَى عَلَمٌ مِنْهُ بَدَا عَلَمُ

وَشُزَّبٌ أحمَتِ الشّعرَى شكائِمَهَا … وَوَسّمَتْها على آنَافِها الحَكَمُ

حتى وَرَدْنَ بِسِمْنِينٍ بُحَيرَتَهَا … تَنِشُّ بالمَاءِ في أشْداقِهَا اللُّجُمُ

وَأصْبَحَتْ بقُرَى هِنريطَ جَائِلَةً … تَرْعَى الظُّبَى في خصِيبٍ نَبتُه

فَمَا تَرَكنَ بها خُلْداً لَهُ بَصَرٌ … تَحْتَ التّرَابِ وَلا بازاً لَهُ قَدَمُ

وَلا هِزَبْراً لَهُ مِنْ دِرْعِهِ لِبَد … وَلا مَهَاةً لهَا مِنْ شِبْهِهَا حَشَمُ

تَرْمي على شَفَراتِ البَاتِراتِ بهِمْ … مكامنُ الأرْضِ وَالغيطانُ وَالأكَمُ

وَجاوَزُوا أرْسَنَاساً مُعصِمِينَ بِهِ … وكيفَ يَعصِمُهُمْ ما ليسَ يَنعَصِمُ

وَما يَصُدُّكَ عَنْ بَحرٍ لهمْ سَعَةٌ … وَمَا يَرُدُّكَ عن طَوْدٍ لهُمْ شَمَمُ

ضرَبْتَهُ بصُدورِ الخَيْلِ حامِلَةً … قَوْماً إذا تَلِفوا قُدماً فقد سَلِمُوا

تَجَفَّلُ المَوْجُ عن لَبّاتِ خَيلِهِمِ … كمَا تَجَفَّلُ تحتَ الغارَةِ النَّعَمُ

عَبَرْتَ تَقْدُمُهُمْ فيهِ وَفي بَلَدٍ … سُكّانُهُ رِمَمٌ مَسكُونُها حُمَمُ

وَفي أكُفّهِمِ النّارُ التي عُبِدَتْ … قبل المَجوس إلى ذا اليوْم تَضْطَرِمُ

هِنْدِيّةٌ إنْ تُصَغّرْ مَعشَراً صَغُرُوا … بحَدّها أوْ تُعَظّمْ مَعشراً عَظُمُوا

قَاسَمْتَها تَلّ بِطْرِيقٍ فكانَ لَهَا … أبطالُهَا وَلَكَ الأطْفالُ وَالحُرَمُ

تَلْقَى بهِمْ زَبَدَ التّيّارِ مُقْرَبَةٌ … على جَحافِلِها من نَضْحِهِ رَثَمُ

دُهْمٌ فَوَارِسُهَا رُكّابُ أبْطُنِها … مَكْدودَةٌ وَبِقَوْمٍ لا بها الألَمُ

منَ الجِيادِ التي كِدْتَ العَدُوّ بهَا … وَمَا لهَا خِلَقٌ مِنها وَلا شِيَمُ

نِتَاجُ رَأيِكَ في وَقْتٍ عَلى عَجَلٍ … كَلَفْظِ حَرْفٍ وَعَاهُ سامعٌ فَهِمُ

وَقَدْ تَمَنّوْا غَداةَ الدّرْبِ في لجَبٍ … أنْ يُبصِرُوكَ فَلَمّا أبصرُوكَ عَمُوا

صَدَمْتَهُمْ بخَميسٍ أنْتَ غُرّتُهُ … وَسَمْهَرِيّتُهُ في وَجْهِهِ غَمَمُ

فكانَ أثْبَتُ ما فيهِمْ جُسُومَهُمُ … يَسقُطْنَ حَوْلَكَ وَالأرْواحُ تَنهَزِمُ

وَالأعوَجيّةُ مِلءُ الطُّرْقِ خَلفَهُمُ … وَالمَشرَفِيّةُ مِلءُ اليوْمِ فَوْقَهُمُ

إذا تَوَافَقَتِ الضّرْباتُ صَاعِدَةً … تَوَافَقَتْ قُلَلٌ في الجَوّ تَصْطدِمُ

وَأسْلَمَ ابنُ شُمُشْقيقٍ ألِيّتَهُ … ألاّ انثنى فَهْوَ يَنْأى وَهيَ تَبتَسِمُ

لا يأمُلُ النّفَسَ الأقصَى لمُهجَتِهِ … فيَسْرِقُ النّفَسَ الأدنَى وَيَغتَنِمُ

تَرُدّ عَنْهُ قَنَا الفُرْسان سابِغَةٌ … صَوْبُ الأسِنّةِ في أثْنائِها دِيَمُ

تَخُطّ فيها العَوَالي لَيسَ تَنفُذُهَا … كأنّ كلّ سِنَانٍ فَوْقَهَا قَلَمُ

فَلا سَقَى الغَيثُ ما وَاراهُ من شجَرٍ … لَوْ زَلّ عَنهُ لوَارَتْ شخصَهُ الرّخَمُ

ألهَى المَمَالِكَ عن فَخرٍ قَفَلْتَ بهِ … شُرْبُ المُدامةِ وَالأوْتارُ وَالنَّغَمُ

مُقَلَّداً فَوْقَ شكرِ الله ذا شُطَبٍ … لا تُستَدامُ بأمضَى منهُما النِّعَمُ

ألقَتْ إلَيكَ دِماءُ الرّومِ طاعَتَهَا … فَلَوْ دعَوْتَ بلا ضَرْبٍ أجابَ دَمُ

يُسابِقُ القَتلُ فيهِمْ كلَّ حَادِثَةٍ … فَمَا يُصِيبُهُمُ مَوْتٌ وَلا هَرَمُ

نَفَتْ رُقادَ عَليٍّ عَنْ مَحاجِرِهِ … نَفْسٌ يُفَرّحُ نَفساً غَيرَها الحُلُمُ

ألقائِمُ المَلِكُ الهادي الذي شَهِدَتْ … قِيَامَهُ وَهُداهُ العُرْبُ وَالعَجَمُ

ابنُ المُعَفِّرِ في نَجْدٍ فَوَارِسَهَا … بسَيْفِهِ وَلَهُ كُوفانُ وَالحَرَمُ

لا تَطْلُبَنّ كَريماً بَعْدَ رُؤيَتِهِ … إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يَداً خُتِمُوا

وَلا تُبَالِ بِشِعْرٍ بَعْدَ شاعِرِهِ … قد أُفْسِدَ القوْلُ حتى أُحمِدَ الصّممُ