عدوك مذموم بكل لسان – المتنبي

عَدُوُّكَ مَذْمُومٌ بِكُلّ لِسَانِ … وَلَوْ كانَ مِنْ أعدائِكَ القَمَرَانِ

وَلله سِرٌّ في عُلاكَ وَإنّمَا … كَلامُ العِدَى ضَرْبٌ منَ الهَذَيَانِ

أتَلْتَمِسُ الأعداءُ بَعدَ الذي رَأتْ … قِيَامَ دَليلٍ أوْ وُضُوحَ بَيَانِ

رَأتْ كلَّ مَنْ يَنْوِي لكَ الغدرَ يُبتلى … بغَدْرِ حَيَاةٍ أوْ بغَدْرِ زَمَانِ

برَغْمِ شَبيبٍ فَارَقَ السّيفُ كَفَّهُ … وَكانَا على العِلاّتِ يَصْطَحِبانِ

كأنّ رِقَابَ النّاسِ قالَتْ لسَيْفِهِ … رَفيقُكَ قَيْسِيٌّ وَأنْتَ يَمَانِ

فإنْ يَكُ إنْساناً مَضَى لسَبيلِهِ … فإنّ المَنَايَا غَايَةُ الحَيَوَانِ

وَمَا كانَ إلاّ النّارَ في كُلّ مَوْضعٍ … تُثِيرُ غُباراً في مكانِ دُخَانِ

فَنَالَ حَيَاةً يَشْتَهيها عَدُوُّهُ … وَمَوْتاً يُشَهّي المَوْتَ كلَّ جَبَانِ

نَفَى وَقْعَ أطْرَافِ الرّمَاحِ برُمْحِهِ … وَلم يَخْشَ وَقْعَ النّجمِ وَالدَّبَرَانِ

وَلم يَدْرِ أنّ المَوْتَ فَوْقَ شَوَاتِهِ … مُعَارَ جَنَاحٍ مُحسِنَ الطّيَرَانِ

وَقَدْ قَتَلَ الأقرانَ حتى قَتَلْتَهُ … بأضْعَفِ قِرْنٍ في أذَلّ مَكانِ

أتَتْهُ المَنَايَا في طَرِيقٍ خَفِيّةٍ … عَلى كلّ سَمْعٍ حَوْلَهُ وَعِيَانِ

وَلَوْ سَلَكَتْ طُرْقَ السّلاحِ لرَدّها … بطُولِ يَمِينٍ وَاتّسَاعِ جَنَانِ

تَقَصّدَهُ المِقْدارُ بَينَ صِحابِهِ … على ثِقَةٍ مِنْ دَهْرِهِ وَأمَانِ

وَهَلْ يَنفَعُ الجَيشُ الكَثيرُ الْتِفَافُهُ … على غَيرِ مَنصُورٍ وَغَيرِ مُعَانِ

وَدَى ما جَنى قَبلَ المَبيتِ بنَفْسِهِ … وَلم يَدِهِ بالجَامِلِ العَكَنَانِ

أتُمْسِكُ ما أوْلَيْتَهُ يَدُ عَاقِلٍ … وَتُمْسِكُ في كُفْرَانِهِ بِعِنَانِ

وَيَرْكَبُ ما أرْكَبْتَهُ مِنْ كَرَامَةٍ … وَيَرْكَبُ للعِصْيانِ ظَهرَ حِصانِ

ثَنى يَدَهُ الإحسانُ حتى كأنّهَا … وَقَدْ قُبِضَتْ كانَتْ بغَيرِ بَنَانِ

وَعِنْدَ مَنِ اليَوْمَ الوَفَاءُ لصَاحِبٍ … شَبيبٌ وَأوْفَى مَنْ تَرَى أخَوَانِ

قَضَى الله يا كافُورُ أنّكَ أوّلٌ … وَلَيسَ بقَاضٍ أنْ يُرَى لكَ ثَانِ

فَمَا لكَ تَخْتَارُ القِسِيَّ وَإنّمَا … عَنِ السّعْدِ يُرْمَى دونَكَ الثّقَلانِ

وَمَا لكَ تُعْنى بالأسِنّةِ وَالقَنَا … وَجَدُّكَ طَعّانٌ بِغَيرِ سِنَانِ

وَلِمْ تَحْمِلُ السّيفَ الطّوِيلَ نجادُه … وَأنْتَ غَنيٌّ عَنْهُ بالحَدَثَانِ

أرِدْ لي جَميلاً جُدْتَ أوْ لمْ تَجُدْ به … فإنّكَ ما أحبَبْتَ فيَّ أتَاني

لَوِ الفَلَكَ الدّوّارَ أبغَضْتَ سَعْيَهُ … لَعَوّقَهُ شَيْءٌ عَنِ الدّوَرَانِ