طَرَقَتْ أسماءُ في جُنْح الظلام – عبدالغفار الأخرس

طَرَقَتْ أسماءُ في جُنْح الظلام … مرحباً بالغصنِ والبدر التَّمامِ

وتحرَّتْ فرصة ً تمكنها … حذر الواشي فزارت في المقام

بتُّ منها والهوى يَجْمَعُنا … بکعتناق وکلتثام وکلتزام

مستفيداً رشفاتٍ من فمٍ … لم تكن توجد إلاّ في المنام

حبّذا طيفُ حبيبٍ زارني … والضيا يعثر في ذيل الظلام

بات حتى كَشَفَ الفجرُ الدّجى … وبدا الصُّبحُ لنا بادي اللثام

ونَظَرْنا فرأَيْنا كَرَّة ً … لبني سامٍ على أبناء حام

يصرَعُ الزقَّ ويُدمي نَحْرَه … ويروِّيني بجام بعد جام

بات يهدي بارد الريق إلى … كبدٍ حرّى وقلب مستهام

بابليّ اللحظ معسول اللمى … ليَّن الأعطاف ممشوق القوام

وترشفت سذى ً من مرشف … عنبريّ الطيب مسكيّ الختام

أنا بالسَّفح وما ادراك ما … كان بالسفح وفي تلك الخيام

زَمَنٌ مَرَّ لنا في ظلِّه … يَرْقُصُ البان لتغريد الحمام

والندامى مثل أزهار الرُّبا … يجتنى من لفظها زهرُ الكلام

والظِّباء العُفْرُ من آرامها … ما بعينها بجسمي من سقام

سنحتْ أسرابها قانصة ً … ورماني من ظباء الغيد رام

طاعنات بقدود من قَناً … راميات من لحاظٍ بسهام

حَدَّثَ الرّكبُ وَهَلْ يخفى الهوى … عن ولوعي بالتصابي وغرامي

حين ألفاني وألفى مهجتي … في ضِرامٍ ودموعي بکنسجام

يا خليليّ کكُففا لَوْمَكُما … وکذهبا عنّي ومّرا بسلام

فلقد أعطيتُ من دونكما … طاعة َ الحب وعصيانَ الملام

أينَ حيٌّ بالفضا نعهده … صدعوا بعد التئام والتيام

لا جزى الله بخير أينقاً … قذفتها بالنوى أيدي المرامي

كلَّما أَسْمَعَهَا الحادي الحدا … أَجْفَلَتْ بالسَّير إجفال النعام

ذهبت يا سعد أيامُ الصبا … ومَضَتْ بعدَ وِصال بکنصرام

وصحا من سَكرة ٍ ذو نشوة … لا يسوغ الماءَ إلاّ بالمدام

لا أَذُمُّ الشَّيْبَ ينهاني به … ورَعي حين بدا عن كلّ ذام

وبمدحي واليَ البصرة قد … راق بالصِّدق نثاري ونظامي

وثناءً طيّباً ننشره … بالمنيب العادل القرم الهمام

ألبسَ الناس وقاراً حكمهُ … فهي في أبهى وقار واحتشام

ما رآى البصرة َ من إنصافه … إذ أتاها غيرَ أطلال رمام

فسعى بالجهد في تعميرها … سَعْيَ من يَبْلُغُ غايات المرام

لا تشيمُ البرقَ منه خلباً … لا ولا تسأل وبلاً من جهام

فعسى أنْ يُنجِزَ الله به … عدة َ اللُّطف لخاص ولعام

فرع سادات المعالي في العلى … علويُّ الأصل علويُّ المقام

كَرُمَتْ أعراقُه في ذاتها … وكرامُ الناس أبناءُ الكرام

من أناسٍ خلقوا مذْ خلقوا … سادة َ الدنيا وأشراف الأنام

تنقضي أيّامه موصولة ً … بصِلاتٍ وصَلاة ٍ وصيام

وإذا ما کضطرمت نارُ وغى ً … يصطفي منها أشدَّ الاضطرام

وإذا کستلَّ ظُباً أغْمدها … ثمَّ في قمّة مقدام وهام

وعلى مِنْبرِ هامات العدى … خطبت بالحتف والموت الزؤام

بطل يفتك في آرائه … غيرما يفتك في حدّ الحسام

كم وكم أَدْمَتْ بقومٍ مهجة ً … هذه أقلامه السمر الدوامي

ما جرت إلاّ بمجرى قدر … بحياة ٍ لأناسٍ وحِمام

كم له من كلماتٍ في النهى … نبّهت للرشد أبصار النيام

قرّت البصرة عيناً بالذي … حلّ بالبصرة بالشهر الحرام

كلّ دارٍ حلّ فيها ابتهجت … وحلتْ حينئذٍ دار السلام

فسقاها من نداهُ عارضٌ … مستطيرُ البرق منهلُّ الركام

وحماها بمواضيه ولا … خيرَ بالملك يُرى من غير حام

أصبحتْ آثر أيديه بها … مثلما تصبحُ آثار الغمام

حَسُنَتْ أحوالها وانتظمَتْ … لو تراها بعد هذا الانتظام

رَدَّ بالسيف بغاة ٍ جَمَحَتْ … ردَّك المهرَ جموحاً باللجام

وقضى بالعدل فيما بينها … فمضت في غيّها لدُّ الخصام

واليد الطولى له من قبلها … أخذتْ من كلّ آب بزمام

عِمْ صباحاً أيُّها المولى ودُمْ … وابق واسلم والياً في كل عام