صورةٌ ما أراه أم ذاك حلمٌ – زكي مبارك
صورةٌ ما أراه أم ذاك حلمٌ … زارني طيفه بوادي الفتون
كدت أهوى على سناها بقلب … سادرٍ في ضلاله مجنون
عذّبتني فاسرفت في عذابي … وهي أحنى من الفؤاد الحزين
رقةٌ تنثرُ القساوة نثرا … كشعاع الحنان عند العيون
إن هذي الخدود وهي زهور … تبعث الرعب في فؤاد المنون
يخنق الزهرُ عاشقيه بليلٍ … آه من قسوة الحبيب الحنون
كل شيء يهون إلا هلاكاً … يتلقاه عاشق من خدين
يا جمال الجمال أقبل وأقبل … إن روض الصفاء ملك يميني
ليلة العيد ليلة لك فيها … عند قلبي طوائفٌ من ديون
قبلاتٌ تسقيك ناراً ونوراً … ثم تفديك بالنفيس الثمين
آه من ليلة على البحر هانت … عند أقدامها كبار الليالي
نسهر الليل بين رعد وبرق … إن مهر الحبيب في الحب غالي
كان صدري فداك من هول ليل … خشيت هوله رواسي الجبال
إنني قد نجوت والهول يطغي … حين أنجيت روض ذاك الجمال
للناس عيد ولى عيد وأعياد … إني متى شئت للأعياد صيّاد
في كل يوم لقلبي في صبابته … بروضة الحسن عند الحسن ميعادُ
يا غادرين ولم نغدر بهم أبداً … وباضطرام غرامي في الهوى سادوا
جرتم على الصب في أيام محنته … ليت الجحودين يوم الجحد قد بادوا
خلعت حبي على من ليس يفهمه … وللكريم على الأموات أجواد
كنتم معي يوم أن كان الزمان معي … واليوم أنتم مع الأعداء أجناد
لا تجهلوا أن لي حظّا ستعرفهُ … بعد الأحايين غزلانٌ وآساد
لو شئت لا شئت كان الغدر طوع يدي … بغادرين لهم في الغدر ميلاد
إني أزلزل أكبادي لأذكركم … إن كان لي بعد ذاك الغدر أكباد
لا تذكروا كيف كنا تلك آونةٌ … جهلت فيها وللأقدار أرصاد
لا تذكروا البحر نمضي في غواربه … والبحر يطغيه إرغاءٌ وإزباد
لا تذكروا الليلة الأولى وقد عريَت … عند التعانق أرواح وأجساد
لا تذكروها فإني لست أذكرها … مضت على عصفها بالقلب آماد
رأيتك رأي القلب والعيد يقبل … وأنت بنور الروح والقلب تقبل
تسائلني عما أريد عفا الهوى … عفا عنك يا روحا يجود فيبخل
إذا برقت عيناك كاد متيّم … من البرق في عينيك بالسحر يقتل
وإن لمعت تلك الخدود رأيتني … على غير وعي بالأزاهير أخبل
معاصم من ماء الشباب روية … وجيدٌ كجيد الظبي بل هو أجمل
وصوت رخيم اللحن في نبراته … أغاريد يهديها إلى القلب بلبل
تبارك من سوّاك روحا لطيفة … لها كل قلب يعبد الحسن منزل
أضلل قلبي في هواك لعله … إذا كثُر التضليل في الحب يجهل
يسائلني قلبي وأنت غريمه … غريم عن الجانبين في الحب يسأل
عن اللَه وهو اللَه أكتم لوعةً … بها كلّ يوم في حياتي أزلزل
أساورُ أحلامي عساني أروضها … على غفوة تعنو لها ثمّ تذهل
أضاليلُ أرويها لروحي دعابة … وهل مثل روحي في الغرام يضلّل
أسيتُ لروحي كيف يشقى بحبه … وما كان لولا نضرة الحسن يفعل
أأنت الذي بالأمس عاقرت روحهُ … وروحي من نور الصباحة ينهل
أأنت لعل الدهر يسمح مرةً … فيصبح لي في ذلك الروض موئل
أصابر روحي في هواك لعلني … إذا عيل صبري في رحابك أنزل
أحارب آلامي لأنسى صبابتي … وبعض الحروب السود للقلب يشغل
أيخلف ميعادي الجمال وإنه … ليعرف أن الموت إن خان أسهل
عواطف سقناها إلى غير أهلها … فلا تعذلوني إنني أتفضل
خلعت على أهل الجمال غوايتي … وإني إذا ما شئت في الحب أبذل
ألوفٌ من الأرواح هانت فصنتها … وأكرمتها إني أقول وافعل
إذا ضاق جيبٌ من جميل فإنني … اشقّ جيوبي ما أراد وأفضل
إذا كان للعشاق في الحب شرعةٌ … فإني بحمد العشق والحب أول
تأوّل أقوام كلامي وأسرفوا … على وزرهم ذاك الكلام المؤول
لهم أن يقولوا ما أرادوا وما اشتهوا … فشعري وإن ماتوا كتابٌ منزّل
ليلةُ العيد أهذي ليلةٌ … أم ليالٍ بالجوى الغالي فصاح
عربد الصفو على أمواجها … وتراءى فوق أجياد الملاح
ليلة العيد أهذي ليلة … إنها ليل إلى غير صباح
قد سقيناها فلم تعرف هدى … نشوة الأيام راح بعد راح
وإذا رحت على أنغامها … ذهب الهمّ بعيداً ثم طاح
سكر الشعر فغنّى وشدا … وبأسرار الهوى المكنون باح
ما لقلب غير قلبي نشوةٌ … إنه يسكر بالماء القراح
الرحيقُ الصرف في روحي وفي … خاطري والسكر بالروح مباح
لا تسلني عن تباريح الهوى … إنها في القلب والروح جراح
آه من قلب تعالت ناره … فاشتوى المضمور منه ثم فاح
كان ظني والأماني ضلّة … أن حبى للمليحات مزاح
إن يكن حبي مزاحاً فاسألوا … عن غريب السر في هذا المزاح