صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها – ابن الرومي

صبراً على أشياءَ كُلِّفْتُها … أُعْقِبْتُها الآنَ وسُلِّفْتُها

ويح القوافي ما لها سَفْسَفتْ … حَظِّي كأَنِّي كنتُ سَفْسَفْتُها

ألمْ تكُن هوجاً فسدَّدْتُها … ألم تكن عوجاً فَثَقَّفْتُهَا

كم كلماتٍ حكْتُ أبْرادَهَا … وَسَّطْتُها الحسْنَ وطَرَّفْتُهَا

ما أحْسَنَتْ إن كنتُ حَسَّنْتُهَا … ما ظَرَّفَتْ إن كنت ظرَّفْتُها

أنْحتْ على حظِّي بمِبْرَاتِهَا … شكراً لأني كنتُ أرهَفْتُهَا

فرقَّقَتْهُ حين رقَّقْتُها … وهفْهَفَتْهُ حين هفهَفْتُهَا

وكثَّفتْ دون الغنى سدَّها … حتّى كأنِّي كنتُ كثَّفْتُها

أحلِفُ باللَّه لقد أصْبَحتْ … في الرزق آفتي وما إفْتُها

لمْ أُشكِهَا قطّ بِتَقْصِيرَةٍ … فيها ولا من حَيْفَةٍ حِفْتُهَا

حُرِمتُ في سنِّي وفي مَيْعَتي … قِرَايَ من دنيا تَضيَّفْتُها

لَهْفي على الدنيا وهل لهفةٌ … تُنْصِفُ منها إن تلهَّفْتُهَا

كم أَهَّةٍ لي قد تأوَّهْتُهَا … فيها ومن أُفٍّ تأففتها

أغدُو ولا حالَ تَسَنَّمْتُها … فيها ولا حال تَرَدَّفْتُهَا

أوسعتُها صبراً على لؤْمِها … إذا تَقَصَّتْهُ تَطرَّفْتُهَا

فَيُعْجِزُ الحيلةَ منْزُورُها … إلا إذا ما أنا لطَّفْتُها

قُبحاً لها قبحاً على أنَّهَا … أقبحُ شيءٍ حين كشَّفْتُها

تَعَسَّفَتْني أنْ رَأتْني امرَأً … لم ترني قَطُّ تَعَسَّفْتُها

تَضَعَّفَتْني ومتَى نالني … عونُ أبي الصَّقْرِ تَضَعَّفْتُهَا

أرجوه عن أشياء جرَّبتُهَا … وليس عن طير تَعَيَّفْتُهَا

مقدارُ ما يُلْبِثُ عنِّي الغِنَى … إشارةُ الإصْبع أوْ لَفتُهَا

سَلَّيْتُ نفسي بأفاعِيله … من بعد ما قد كنت أسَّفْتُهَا

وقد يعزّيني شباباً مضى … ومدَّةً للعيشِ أسلفْتُهَا

فكَّرتُ في خمسين عاماً خَلَتْ … كانتْ أمامي ثم خلَّفْتُهَا

تَبَيَّنَتْ لي إذ تَذَنَّبْتُهَا … ولم تَبيَّنْ إذا تأنَّفْتُهَا

أجهلتها إذ هي موفورةٌ … ثم نَضَتْ عني فعُرِّفْتُها

ففرحَةُ الموهوب أعدِمتُها … وترحةُ المسلوب أردفْتُها

لو أن عمري مائةٌ هَدَّني … تذكُّري أنِّيَ نَصَّفْتُها

فكيف والآثارُ قد أصبحت … تُرجف بالعمر إذا قِفْتُها

كنزُ حياةٍ كانَ أنفقتُهُ … على تصاريفَ تصرَّفْتُها

لا عُذر لي في أسفي بعدها … على العطايا عفتها عفْتُها

إلا بلاغاً إن تأبَّيتَهُ … أشقيت نفسي ثم أتلفْتُها

قوتٌ يُقيم الجسم في عفّةٍ … أشعِرتُها قِدْماً وألحفْتُها

وقد كددتُ النفس من بعدما … رفَّهتها قدماً وعَفَّفْتُها

لا طالباً رزقاً سوى مُسْكةٍ … ولو تعدّت ذاك عنَّفْتُها

طالبتُ ما يمسكها مُجملاً … فطفتُ في الأرض وطوَّفْتُها

وناكدَ الجَدُّ فمنّيتُها … وماطلَ الحظ فسوَّفْتُها

وإن أراد اللَّهُ في ملكهُ … جاوزت خَمْسِيَّ فأضعفْتُها

بقدرة اللَّه ويُمْنِ امرئٍ … نعماه عُمْرٌ إن تَلَحَّفْتُها

فيها مَرادٌ إن تَرعَّيتُها … وأيُّ حِرز إن تكهَّفْتُها

يا واحد الناس الذي لم أجد … شَرواهُ في الأرض التي طُفْتُها

إليك أشكو أنني طالبٌ … خابت رِكابي منذ أَوجفْتُهَا

أصبحتُ أرجوك وأخشى الذي … جَرَّبتُ من حالٍ تسلَّفْتُها

فاطرُدْ ليَ الحرفةَ وادعُ الغِنى … واذكر سُموطاً كنت ألَّفْتُها

مَدائحٌ بالحق نمَّقتُها … وليس بالباطل زخرفْتُها

أعتدُّها شكوى تشكيتها … إليك لا زُلفى تَزلَّفْتُها

وكيف أعتدُّ بها زُلفةً … وإن تعمَّلتُ فأحصفْتُها

ولم أُشرِّفك بها بل أرى … بالحق أني بك شرَّفْتُها

ومن مَساعٍ لك ألَّفتها … لا من مساعي الناس لَفَّفْتُها

تعاوَرَتْها فِكَرٌ جمةٌ … أنضيتُها فيك وأزحفْتُها

وأنت لا تَبْخَسُ ذا كُلفةٍ … لا بَلْ ترى أن الغنى رَفْتُهَا

بحقِّ من أعلاك فوقَ الورى … إحلافةً بالحق أحلفْتُها

لا تُخطئَنّي منك في موقفي … سماءُ معروف توكّفْتُها

أنت المُرجَّى للتي رُمتها … أنت المرجى للتي خِفْتُها

كم بُلغةٍ ما دونها بُلغةٌ … قد نافرَتْني إذ تألَّفْتُها

فرُحتُ لا أرجو ولا أبتغي … وتاقت النفسُ فكَفْكَفْتُها

حُملتُ من أمري على صعبةٍ … خلَّيْتُها إذ عزّني كَفْتُها

بل خِفْتُ من كنتُ له راجياً … ورجَّتِ النفسُ فخوّفْتُها

ولم أخفْ في ذاك أنّي متى … وعدتُها رِفدَك أخلفْتُها

لكنني أفرَقُ من حِرْفةٍ … أنكرتُ نفسي منذ عُرِّفْتُها

أقول إذ عنَّفني ناصحٌ … في رفض أثمادٍ ترشَّفْتُها

إن أبا الصقر على بُعدِه … داني العطايا إن تكفَّفْتُها

ثمارُهُ في شُمِّ أغصانِهِ … لكنني إن شئتُ عَطَّفْتُها

لا كَثمارٍ سُمتُ أغْصانَها … إدْناءها مني فقصَّفْتُها

لِبَابِهِ المعمورِ أُسْكُفَّةٌ … لَتُعْتِبَنِّي إن تسكَّفْتُها

الآنَ أسلمتُ إلى نعمةٍ … غنّاء نفساً كنت أقشَفْتُها

قد وعدتني النفس جدوى له … إن شئت بعد اللَّه وظَّفْتُها

تاللَّه لا يَقْصُرُ دون المنى … قِرَى سجاياه التي ضِفْتُها

نُعمى أبي الصقر التي استبشرتْ … نفسي بريَّاها وقد سُفْتُها

خُذها ولا تَبْرَم بها إنني … قرَّطتُها الحسنَ وشنَّفْتُها

بَيِّنَةً من منطق محكمٍ … فَنَّنْتُهَا فيك وصرَّفْتُها

كم نظرةٍ فيها تَقَصَّيتها … كم وقفةٍ فيها توقَّفْتُها

بمجد آبائك أسَّستُها … ومجدِ آلائك شرَّفْتُها

ضَوَّعتُ فيكم كل مشمولة … لكنني من مسككُمْ دُفْتُها

ولم أدعْ في كلّ ما زانها … فلسفةً إلا تفلسفْتُها

إن كنتُ بالتطويل كمَّيتُها … فليس بالتثبيج كيَّفْتُها

لو أن خدّي كان أهلاً لهُ … واستهدفَتْ لي لتَهدَّفْتُها

يا من إذا صُغتُ أماديحَه … جَوَّدتُها فيه وزيّفْتُها

لو أنها ليلٌ لَنوَّرتُهُ … باسمك أو شمسٌ لأَكْسفْتُهَا