لازلتَ تبلغُ أقصى السُؤْلِ والأملِ – ابن الرومي
لازلتَ تبلغُ أقصى السُؤْلِ والأملِ … ممتّعَ النفسِ بالسّراءِ والجَذلِ
ولاعدمْتَ نماءً لاانتهاءَ له … في الحال والمال والأحبابِ والخولِ
يامَنْ تزيّنتِ الدنيا بدولتِه … فأصبحتْ وهْي في حلي وفي حُلل
أورادٌ بحركم مثلي ومنصرفٌ … في الصادرين بلا علّ ولانهلِ
ألستُ أصلحُ سمساراً لبركُمُ … ولاوكيلاً ولاعوناً على عملِ
بلى وإنْ كان راعي الناسِ أهملني … فليسَ حقّي إهمالي مع الهَمَلِ
أني لأخوضُ للأهوالِ من أسدٍ … عادٍ وأنهضُ بالأثقال من جملِ
مازلتُ أنهضُ في الجُلَّى أُحمَّلها … بنجدة ٍ وبرأي غير ذي خلل
عندي إذا غرّر الكافون أو عجزوا … حزمُ الجبانِ تليه جرأة ُ البطلِ
ولستُ كالمرءِ يؤتَى عند عزمِته … من التهوّرِ يوماً لا ولا الفشلِ
إني بما شئت من إتقانِ ذي خللٍ … كل الوفاء ومن تقويم ذي ميلِ
وإنْ نَفَثْتَ إليّ السرَّ مؤتمناً … لم أفشِ سرَّك عن عمدٍ ولازللِ
فهبْ لراجيكِ إذناً منك تلقَ به … مُؤدباً غيرَ ذي جهل ولاخطلِ
لايسألُ الحاجة َ المعوجَّ مسلكُها … ولايحاوِل أمراً بيّنَ الحولِ
بل كلّ مايوجبُ الإنصافَ منك له … مع الوسائل والأسبابِ والوُصَل
من ارتجاعِ عقارٍ لجَّ غاصبُه … وردّ دينٍ له في الظلمِ مُعتقَل
وشعبة ٍ من مَعاشٍ لاتُكلَّفه … مُرَّ السؤالِ ولامستثقلَ الرّحلِ
وكلّ ذاك خفيفٌ إن نشطتَ له … يامنْ يخفُّ عليه كل ذي ثقلِ
أقولُ إذ غصبتني كفُّ جارية … اللَّه أكبر من ودٍّ ومن هُبل
فاز الغواني بما أملنَ من أملٍ … فما يبالينَ ما لاقينَ من أجلٍ
متى غلبن رجالَ الجدّ في زمنٍ … كما غلبنَ رجالَ اللهو والغزلِ
وإن أعجبَ شيءٍ أنت مُبصرُه … في كل ما حُمّلتْهُ الأرضُ من ثقلِ
كفٌّ خضيبٌ من الحناء غاصبة ٌ … كفاً خضيباً من الأبطالِ والعضلِ
ياحسرتاً لي ويا لهفاً ويا عجباً … إنْ هذه الحال لم تُنكَرْ ولم تُزَلِ
في دولتي أنا مغصوبٌ وفي زمني … عودي ظمِىء ٌ بلا ريٍّ ولا بللِ
أُمسي وأصبحُ مظلوماً بلاجنفٍ … من الوزير ومحروماً بلا نَحِل
لكنْ لأمر خفيٍّ لا يحيطُ به … علمي وإن كنتُ ذا علمٍ وذا جدلِ
وإنني لأرَجِّي أن يصبّحني … سعدُ السعودِ بحظ منه مُقتبل
وما أرجيّ سماحاً منه مُطَّرفاً … لكن سماحاً تليداً فيه لم يزلِ
ومافمي بمفيق من معاتبة ٍ … حتى يشافه تلك الكفّ بالقُبلِ
فليأمرِ السيدُ الحُجّابَ حضرتَه … بصونِ وجهٍ مصونٍ غيرِ مبتذلِ
حتّى يلاقيني أجفى جُفاتِهمُ … بلا فتورٍ يُرى فيه ولا كسلِ
وليجعلِ الإذنَ رسماً لا زوالَ له … كالإذنِ للقومِ من أصحابهِ النُبُلِ
وما خرقتُ ولا ضيّقت في مهلٍ … بل قد رقَقْتُ وقد أوسعت في المهَلِ
ولو عجلتُ وجدتُ اللَّه يعذرني … في قولهخُلق الإنسان من عجل
ها أنتَ تعلمُ أن الصبر من صبرٍ … تمزجُه بالنجحِ إن النُجح من عسلِ
وما عليَّ ملامٌ إنني رجلٌ … ظمئْت خمساً ولم أشرع على وشل
لكل شرعتُ على بحرٍ له حدبٌ … تغشى غواربَه الركبانُ كالظّلَلِ
متى أنال الذي أمَّلتُ من أملٍ … إن لم أنلْ بك ما أمَّلتُ من أمل
أنَّى يكون ربيعي ممرعاً غَدِقاً … إن لم يكن هكذا والشمس في الحَمَلِ
يا آلَ وهبٍ أعينوني على رجلٍ … أعلى وأثقل في الميزان من جبلِ
حُرمتُ منه وقد عمَّت فواضلهُ … وتلْكُمُ المثلة ُ الكبرى من المُثَلِ
ألحاظُهُ لا تراعيني ونائلُهُ … لا في التفاريق تأتيني ولا الجُملِ
مضتْ سنونُ أراعي نجمَ دولتِكم … فيها وأعتدها قسْمي من الدُّولِ
إن غابَ حظكُم استعبرتُ من أسفٍ … له وإن قفلَ استبشرتُ بالقفلِ
وإن رمَى الدهرُ من يرمي صفاتُكم … ناديتُه لا رماك اللَّه بالشللِ
حتى إذا أطلع اللَّه السعودَ لكم … خُصصتُ بالعطلة الطُّولى من العُطلِ
طال المطال على حقي ودافعَه … من ليس منه دفاع الحق بالعلل
ولم يفتْ فائتٌ تأسى النفوسُ به … كنائلِ الكفِّ ذاِت العُرفِ والنفلِ
مالٌ مولٍّ وأسبابٌ مخيَّبة ٌ … في دولة الفوزِ ما هذا بمحتملِ
حتّام يا سائس الدنيا تؤخرني … وإنني لنظيرُ الصدرِ لا الكفلِ
لكلّ قومٍ رسومٌ أنت راسمُها … ولستُ فيهم بذي رسْم ولا طللِ
لا في التّجار ولا العُمالِ تنصبُني … وإنني لقليلُ المِثل والبدلِ
أنا المشارُ إليه بالبنانِ إذا … عُدَّ المراجيحُ والمرموق بالمُقلِ
وما وفاني بمدخولٍ إذا كَلَحَتْ … دهياءُ تفترُ للأقوامِ عن عُصُلِ
يدومَ عهدي على حالٍ لمصطنعي … ولا أعرّد عنه ساعة َ الوهلِ
ولا أقولُ إذا نابتهُ نائبة ٌ … مالي بعادية الأيام من قبلِ
كم في احتيالي وتدبيري لذي فزعٍ … من ملجأ ومُغاراتٍ ومُدّخلِ
وما أقُرّضُ نفسي كي أدلسَها … ولا أريغ لديك الحظَّ بالحيلِ
لكن تنصّحتُ في نفسي لأهديَها … إليك والنفسُ علِقُ ليس بالجللِ
ومن تسوَّقَ مرتاعاً بسلعته … مستشعرَ الخوفِ مملوءاً من الوجلِ
فقد تقدمتُ في أمري على ثقة ٍ … مني يشيعها أمنٌ من الخجل
فاخبرْ وجرّبْ تجدْني حين تخبرني … أمْضى من السيف في الأعناق والقُللِ
وارم المهماتِ بي في كلِّ حادثة ٍ … ترتاعُ منها أسودُ الغابِ والأسلِ
تجدْ لديَّ كفاياتٍ مُجرّبة ً … أشفى من الباردِ المثلوجِ للُغلل
لا تطرَحني فإني غير مطرحٍ … ولا تُذلَّني فإني العِلقُ لم يُذلِ
خذني عتاداً لما في الدهرِ من نُوَبٍ … محذورة ولما في الحال من نُقلِ
هذا على أنني أرجو لكم مُهلاً … موصولة ً مدة الدنيا إلى مُهَلِ
وحقُّكم ذاك إن اللَّه فضّلكُم … تفضيلهُ الضحوة َ الأولى على الطّفلِ
براكم الله من حزمٍ ومن كرمٍ … أزكى من الماءِ بل أذكى من الشُعل
وما افتقرتم إلى مدحٍ يزينكُم … تالله يا زينة َ الأيامِ في الحفلِ
وكيف ذاك ومنكم كلَّ مقتبسٍ … من السناءِ وعنكم كلَّ ممتثل
تغنون عن كلِّ تقريظٍ بفضلكُم … غنى الظباء عن التكحيل بالكَحَل
تلوحُ في دولة ِ الأيامِ دولتُكمِ … كأنها مِلة ُ الإسلام في الملل
فأنتمُ أولياءُ اللَّه كُلُّكُمُ … في جنة الخلد سُكناهم بلا حول
ما إن لدولتكم إبانٌ مُنقرضٌ … كلا لعمري ولا ميقاتُ مرتحلِ
أنجى الإلهُ من المريخ زهرتكم … ومشتريكم فقد أنجاهُ من زحلِ
خُذها فما عجزتْ كلا ولا قَصُرتْ … عن رتبة السبعِ في أترابها الطُولِ
واسلمْ سلامَة َ مأمولٍ فواضلهُ … إذا رأوْه لبني الآمال كالقبلِ