شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ – مصطفى صادق الرافعي

شكوتُ هواها فاشتكتْنِي إلى هَجرٍ … وقد غَلَبَ الأمرانِ فيها على أمري

وبتُّ ولا من حيلةٍ غيرَ أنني … أرى الذكرَ يصيبني فأصبو إلى الذِكرِ

مهاةٌ لعينيها تغزلتُ في المَهى … وما غَزَلي في سِحرِهِنَّ سِوى السِّحرِ

وأعشقُ فيها الشمسَ والبدرَ والذي … يشبهُ العشَّاق بالشمسِ والبدرِ

وما مضَّني إلا جفاها ولحظُها … فإنَّ كلا السيفين أُغمِدَ في صدري

تراءَتْ لنا بالقِصَرِ يوماً فلمْ تَزَلْ … تُرَفْرِفُ نفسي بعدَ ذاكَ على القَصرِ

وراحت وقد صدت ْ وبينَ قلوبنا … مسافةُ ما بين الوصالِ إلى الهجرِ

فقاسمتُها قلبي وقلتُ لعاذلي … لها شطرها مما قسمتَ ولي شطري

وأنفقتُ أيامي كما أسرفتْ يدي … جواداً بمالي في هواها وبالعمرِ

ولما تلاقينا ومالتْ تجافياً … كما تحذرُ الورقاءُ جارحة الصقرِ

شددت على قلبي يديَ ويد الهوى … تقلبهُ بينَ الضلوعِ على جمرِ

وقلت لها أبقي على الودِّ ساعة … لعلَّ لنا في الغيب يوماً ولا ندري

فقالت أغير العيد يومٌ لشاعرٍ … بحسبكَ يومَ العيدِ يا قمرَ الشعرِ

فقمتُ وقد ابصرتُ قصدي ولم أزل … بفكري حتى أشرق الفجر من فكري

وعنديَ من أشتاتِ ما في كنوزهِ … قلائد شتَّى من نظيمٍ ومن نثرِ

أعباس إن لم يبتدرْ مدحك الورى … فلا نطقت لسنٌ بمدحك لا تجري

على أنك استغنيت عن كلِّ مادحٍ … بأثاركَ الغرا وأيامكَ الغرِ

وأسديتَ لي ذا الشعرَ حتى كأنما … لقطتُ نفيسَ الدرِّ من ساحل البحرِ

ولم يكُ مدحي غيرَ أوصافكَ التي … هي الزهر إن يعبق مديحي كالعطر

وإنَّ رخيصاً كل قولٍ وإن غلا … لملكِ بلادٍ تربهنَ من التبرِ

جرى النيلُ فيها حاكياً نيل كفهِ … وهل في الورى من يعدل البحرَ بالنهرِ

فأغروا به الخزان حتى لخلتهُ … وصياً يريهِ كيف ينفقُ بالقدرِ

وما النيلُ في مصرٍ سوى دم قلبها … إذا حفظوهُ دامت الروح في مصرِ

يفيض بهِ في عصرِ عباسِ ما ترى … من العلمِ ما كانَ من نبإ الخدرِ

فتى الملكِ لا عسرٌ بعصركَ يشتكى … وقد كان هذا اليوم فاتحة اليسرِ

تضيءُ بك الأيامُ حتى كأنها … دياجي الليالي قابلتْ غرةَ الفجرِ

ويومَ تبواتَ الأريكةَ سطروا … معاليَ هذا الشعبِ في صحفِ الفخرِ

رأوكَ فتىً فوقَ الملوك عزيمةً … وشتانَ بينَ العصافير والنسرِ

على حلمِ عثمانٍ وهيبةِ حيدرٍ … وعدلِ أبي حفصٍ وحزمِ أبي بكرِ

فدمتَ مرجى في نبيكَ مهنئاً … دوامَ جلالِ البدرِ في الأنجمِ الزُهرِ