شاعر الكأس و الرشيد – عبدالله البردوني
لو تسامت عقولنا عن هوانا … لهدينا و قدنا الزمانا
و لسرنا و خطونا يلد الفجر … المغنّي … و ينبت الريحانا
لو تلظّت قلوبنا بسنى الحبّ … لما عانت العيون الدخانا
لو كبحنا غرورنا لملأنا … من عطايا الوجود وسع منانا
فعطايا الحياة أوسع من … آمال أبنائها و أسخى حنانا
لو ملكنا الهدى لمل سلّ كفّ … خنجرا راعفا و أدمى سنانا
كيف يستلّ روح بعض … ألنحيى مآتما واضطغانا ؟
و نسمّي لصّ الحياة شجاعا … و نسمّي عفّ اليدين جبانا
نحن غرس الإله يحصده الله … لماذا تعيث فيه … يدانا ؟
ما لنا نسبق الحمام إلينا … و هو أمضى يدا و أحنى بنانا ؟
و نخاف العدى وحين نعادي … هل درينا أنّا خلقنا عدانا ؟
لو نفضنا شرورنا لرأينا … أوجه الخير في الضّياء عيانا
نحن نبدي عيوبنا حين نرمي … بالخطايا فلانة أو فلانا
نحن لو لم نكن أصول الخطايا … ما رأينا ظلالها في سوانا
كم سألنا التفتيش عن جبفة الأثـ … م و سرنا و الإثم يحدو خطانا
و هتكنا مخابيء الإثم في الحيّ … و عدنا نفتّش الأكفانا
لا تنم : يا ” أبا نواس ” أما … كنت أثيما في لهوة … يتفانى ؟
أوما كنت أظرف الناس في القصـ … ف و أعلى . الغواة فنّا و شانا ؟
فهتكنا عنك الستار كأنّ لم … يخطر الإثم بيننا عريانا
هل تخوّفت غضبة السوط في الدنـ … يا و هل ذقت في القبور الأمانا ؟
لست أدري . ماذا لقيت ، لماذا … غبت في الصمت لم تحرّك لسانا ؟
إن تمت هيكلا فقد عشت أفـ … كارا و أورقت في الشفاه بيانا
أين منك الردى ؟ و أقوى من الأحـ … ياء ميت يسهد .. الأذهانا
عشت عصرا و لم يزل كلّ عصر … يتساقى فجورك الفنّانا
تلك ألحانك الظوامي كؤوس … تتغنّى فتكسر الندمانا
لكأنّي ألقاك في لحنك الظمآن … روحا ملحّنا … و كيانا
و ذهول الإلهام يرعش عينيك … كما ترعش الصبا الأقحوانا
و أحسّ ” الرشيد ” ينزل دنياه … كما ينزل الصباح الجنانا
و تغنّيه و هو ينتزف الكأس … و يسقي المدلّلات الحسانا
و الندامى الصباح بين يديه … و كؤوس تنأى و أخرى تدانى
و المليحات مهرجان من الحسن … يغنّي من الهوى مهرجان
و هو يلهو لهو الشجيّ و يمضي … في جنون الهوى يعرّي القيانا
فترى في النديّ ألف ربيع … ينثر العطر و السنى ألوانا
و صباحا من الحسان العرايا … مغرما يعزف الهوى ألحانا
و خصورا تميد بين زنود … بضّة الخصورر اللّدانا
و صدورا نهدى تضمّ صدورا … واحتضانا غضّا يلفّ احتضانا
و الجمال العريان يطغي المحبّين … و يهوى الجنون و الطغيانا
ما ترى يا ” أبا نوّاس ” ؟ ترى … الأكواب ملأى و تحتسي الحرمانا
تتشهّى مدامة … لم تجدها … فتغنّي خيالها الفتّانا
لو وجدت الرحيق ما ذبت شجوا … و تحرّقت في المنى أشجانا
شاعر الحبّ يهجره المحـ … بوب يفتنّ في الحنين افتنانا
عشت تبكي على المدام وتذرو … في هوى الكأس دمعك الهتّنا
و تنادي الهناء في كلّ وهم … و تهنّي البساط و الصولجانا
بدعة الذلّ أن تحنّ و تبكي … و تغنّي ” الرشيد ” و ” و الخيزرانا “
ملك يرضع الدنان كما يهوى … و أنت الذي تغنّي الدنانا
و ” الأمين ” النديم يمنعك الخمر … و يحسو و تنحني ظمآنا
و هو في القصر يحتسي عرق الشعب … و يروي القيان و الغلمانا
يملأ من دموع اليتامى … و يغنّي على نشيج الحزانى
و يرى أنّه أمين على الدين … و إن ضيّع الرشاد و خانا
كيف دين الإله ظلوم … يتحدّى الإله و الإنسانا ؟
يدّعي عصمة الملائكة الطهر … و يأتي ما يخجل الشّيطانا
هكذا يا ” أبا نواس ” تلوّى … حولك الشعب في الجراح وهانا
كيف مرّغت وجهك الحرّ في الذّلّ … و أسلست للطغاة العنانا ؟
و تغنّيت ” للأمين ” فأصغى … و تراخى في غيّه و توانى
و تخيّرت ” للرشيد ” بحورا … قلّدت جيده الغلظ جمانا
و هززت ” الخصيب ” فاهتزّ جنـ … باه و ذوّبت مقلتيك فلانا
و تباكيت بين كفّيه كالطفل … فيا للشموخ كيف استكانا ؟
كيف ألقاك يا أخا الكأس في … المدح ذليلا و مطرقا خجلانا ؟
تسأل الصمت كيف حلّت قوا … فيك من الذلّ و لانفاق مكانا ؟
أفترضى للفنّ أخزى مكان ؟ … إنّ للفنّ حرمة وصيانا
و ألاقيك في ترنّمك الخمري … ربيعا مرنّما … جذلانا
تعزف العطر و الفتون المندّى … و تهزّ الشباب و العنفوانا
لا تقل لي : كيف القينا ؟ و قل لي : … بارك الفنّ و الخيال لقانا
شاعر الكأس قرّب الطيف عهدينا … فكيف اتّفاقنا ؟ كيف كانا ؟
بعد العهد بيننا فادّكرنا … واختصرنا بالذكريات الزمانا
واعتنقنا على النوى و التقينا … نتشاكى من الأسى ما عنانا
أنا أشقى كما شقيت و لكن : … لا تتمتم … و أيّنا أشقانا ؟
لا تسلني : فمحنتي أن لي في الـ … يأس أهلا و في الأسى إخوانا
نحن من نحن ؟ مزهران من … الشوق كلانا العذاب كلانا
” شاعر الكأس و الرشيد ” وداعا … وسلاما يشذيك آنا فآنا