سَقى مَنزِلاً بينَ الشَّقيقة ِ والضالِ – سبط ابن التعاويذي

سَقى مَنزِلاً بينَ الشَّقيقة ِ والضالِ … جَنا كلِّ سَحّاحٍ من المُزنِ هَطّالِ

وحَيّا رسومَ العامريّة ِ باللِّوى … تَحِيَّة َ لاَ سَالٍ هَوَهَا وَلاَ قَالِ

وَلَمَّا وَقَفْنَا بِالدِّيَارِ بَدَتْ لَنَا … أَوَابِدُ مِنْ حِيرَانِ وَحْشٍ وَآجَالِ

فَمَا خَدَعَتْنَا عَنْ حَوَالٍ أَوَانِسٍ … بِنَافِرَة ٍ مِنْ وَحْشِ وَجْرَة َ مِعْطَالِ

ألا حبّذا بالبانِ مَغنى ً ومَلعَبٌ … عَصَيْتُ بِهِ عَصْرَ الْبَطَالَة ِ عُذَّالِي

فَكَائِنْ لَنَا مِنْ وَقْفَة ٍ فِي ظِلاَلِهِ … ومن غَدَواتٍ مُوبِقاتٍ وآصالِ

وهل تشتكي الأوطانَ عمّنْ تُحبُّهُ … وَمَا نَفْعُ آثَارٍ خَوَالٍ وَأَطْلاَلِ

وَكَيْفَ تَسَلَّيْنَا بِقُضْبَانِ إسْحِلٍ … وأَحقافِ رمْلٍ عن قُدودٍ وأَكْفالِ

لَيَالِيَ عُودُ اللَّهْوِ فَيْنَانُ مُورِقٌ … وَوِرْدُ الْهَوَى صَفْوٌ وَجِيدُ الصِّبَي حَالِ

فَلِلَّهِ ثَوْبٌ مِنْ شَبَابٍ سُلِبْتُهُ … وَغُودِرْتُ فِي ثَوْبٍ مِنَ الشَّيْبِ أَشْمَالِ

صحِبتُ زماني وادِعَ البالِ قلّما … خطَرْتُ لهَمٍّ أو لبؤسٍ على بالِ

جَدِيدَ سَرَابِيلِ الشَّبِيبَة ِ رَافِلاً … من العَيشِ في ضافي المَساحِبِ ذَيّالِ

وها أنذا من بعدِ أمنٍ وصِحّة ٍ … مُسَامِرُ أَوْجَاعٍ مُشَاوِرُ أَوْجَالِ

أُرَقِّعُ عمُراً أخْلَقَتْهُ بِكَرِّها … اللَّيَالِي إلَى كَمْ يُرْقَعُ الْخَلَقُ الْبَالِي

عَزَفْتُ عَنِ الدُّنْيَا فَمَا أَنَا طَامِحٌ … بطَرفي إلى وَفْرٍ عَداني ولا مالِ

وأعرضْتُ عنها غيرَ مُكتَرِثٍ لها … وسِيّانَ إكْثاري لديَّ وإقلالي

وَلَمْ يَبْقَ لِي عِنْدَ اللَّيَالِي لُبَانَة ٌ … كَأَنِّيَ قَدْ مَاتَتْ مَعَ الشَّيْبِ آمَالِي

فَلَسْتُ أُبَالِي الْيَوْمَ كَيْفَ تَقَلَّبَتْ … عَلَى عَقِبِ الأَيَّامِ وَالدَّهْرِ أَدْوَالِي

ولولا زمانٌ أخَّرَتْني صُروفُهُ … لَطَارَتْ بِرَحِلِي كُلُّ هَوْجَاءَ مِرْقَالِ

أُجَشِّمُهَا الأَخْطَارَ فِي غَسَقِ الدُّجَى … وَأُقْذِفُهَا رَأْدَ الضُّحَى لُجَجِ الآلِ

وما كنتُ أرضى بالقُعودِ وإنّما … خطوبٌ رمَتْني من أذاها بأَهوالِ

وإنّي من جُودِ الوزيرِ لواثقٌ … بِأَنْ سَيَرِيشُ الْيَوْمَ مَا کنْحَطَّ مِنْ حَالِي

فيَبسُطُ آمالي ويُنهِضُ عَثْرَتي … وَيَغْرَمُ مَا قَدْ فَاتَ مِنْ زَمَنِي الْخَالِي

سَأَجْعَلُهُ لِي عُدَّة ً وَذَخِيرَة ً … أَعِزُّ بهِ والعِزُّ خيرٌ من المالِ

أَصُونُ به عِرْضي وأمنَعُ جانِبي … ومِثلُ جلالِ الدينِ من صانَ أمثالي

وَإنْ طَرَقَتْنِي فِي الزَّمَانِ مُلِمَّة ٌ … نزلْتُ بحاجاتي عليهِ وأثقالي

فَأَسْرَحُ فِي رَوْضِ السَّمَاحِ رَكَائِبِي … وَأَسْحَبُ فِي رَبْعِ الْمَكَارِمِ أَذْيَالِي

وعندَ عُبَيْدِ اللهِ ما اقترحْتُهُ … عَلَى الدَّهْرِ مِنْ فَضْلٍ عَمِيمٍ وَإفْضَالِ

وَزِيرٍ كَسَا دَسْتَ الْوِزَارَة ِ بَهْجَة ً … وَكَانَ زَمَانَاً عَاطِلاً جِيدُهَا الْحَالِي

وَقَامَ بِتَدْبِيرِ الأُمُورِ فَلَمْ يَبِتْ … بِهِ بَيْنَ تَضْيِيعٍ يُخَافُ وَإهْمَالِ

لئنْ غبَرَتْ حيناً من الدهرِ حائلاً … لَقَدْ طَرَّقَتْ بَعْدَ الْحِيَالِ بِرِئبَالِ

بِأَغْلَبَ مَسْبُوحِ الذِّرَاعَيْنِ بَاسِلٍ … يُزلْزِلُ أقدامَ العِدى أيَّ زَلزالِ

يَخُوضُ سَوَادَ النَّقْعِ وَالْبِيضُ شُرَّعٌ … بِأَيْدِي مَغَاوِيرٍ كُمَاة ٍ وَأَبْطَالِ

هُوَ الذَّائِدُ الْحَامِي إذَا کشْتَجَرَ الْقَنَا … وَإنْ صَوَّحَتْ سَنْهَاءُ فَالْهَانِىء ُ الطَّالِي

هو المُتبِعُ القَولَ الفِعالِ تكرُّماً … وَمَا كُلُّ قَوَّالٍ سِوَاهُ بِفَعَّالِ

لَهُ عَمَلٌ بِالْعِلْمِ يَزْدَادُ زِينَة ً … وَيَا رُبَّ ذِي عِلْمٍ وَلَيْسَ بِعَمَّالِ

بَلاَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَلَمْ يَكُنْ … بمُنْحَرِفٍ عن مَنهَجِ الحقِّ مَيّالِ

وحمَّلَهُ أَعباءَهُ فأقَلَّها … بكاهلِ عزمٍ للعظائمِ حَمّالِ

ليَهْنِكُمُ يا قالَة َ الشِّعرِ أنّكمْ … نَزَلْتُمْ عَلَى عَذْبِ الْمَوَارِدِ سَلْسَالِ

وأنّكمُ بعدَ الإياسِ سُقيِتُمُ … ظِماءً بنَوءٍ من عطاياهُ مِفْضالِ

فأثْرَيْتُمُ من بعدِ دهرٍ وضِيقة ٍ … وَأَخْصَبْتُمُ مِنْ بَعْدِ جَدْبٍ وَإمْحَالِ

غَنِيتُمْ بِهِ عَنْ جَوْبِ كُلِّ تَنُوفَة ٍ … بِكَلِّ الْمَطَايَا بَيْنَ حَلٍ وَتَرْحَالِ

وَعَنْ بَرِمٍ مَا زَالَ يَبْرَمُ بِالنَّدَى … ويَشْغَلُهُ المَدحُ الرخيصُ عنِ الغالي

وَذِي شَنَآنٍ مُشْرَجَاتٍ ضُلُوعُهُ … عَلَى الْغِلِّ مَطْبُوعٍ عَلَى الْغَدْرِ مُحْتَالِ

بَنَا بِغُرُورٍ أَمْرَهُ فَكَأَنَّمَا … بَناهُ على حِقْفٍ من الرملِ مُنْهالِ

ولم يدْرِ أنَّ الدهرَ تجري صروفُهُ … وأنَّ الليالي لا تدومُ على حالِ

فَأَعْمَلَ رَأْياً كَانَ فِيهِ وَبَالُهُ … وأوقَدَ ناراً عادَ وهْوَ لها صالِ

وغرَّتْهُ من حُسنِ ارْتِيائِكَ وَنْيَة ٌ … وَيَا رُبَّ إبْطَاءٍ كَفِيلٍ بِإعْجَالِ

وَمَا تَرَكُكَ الأَعْدَاءَ بَقْيا عَلَيْهِمِ … وَلكِنَّهُ تَرْكُ کجْتِيَازٍ وَإهْمَالِ

تَمَلَّيْتَهَا مِنْ خِلْعَة ٍ نَاصِرِيَّة ٍ … تَسَرْبَلْتَ منها اليومَ أفضلَ سِرْبالِ

فمَمزوجة ٌ وَشْيٌ بها من ضيائِها … شِعاعٌ كبرقِ الشمسِ كاشفة ُ البالِ

وَدَّرَاعَة ٌ مِنْ تَحْتِهَا وَعِمَامَة ٌ … سَوَادُهُمَا فِي وَجْنَة ِ الدَّهْرِ كَالْخَالِ

وَإبْيَضُ حَالٍ بِالنُّضَارِ مُهَنَّدٌ … عَتادٌ ملوكٍ أورَثوهُ وأَقْيالُ

لِصُ النُّجَارِ كَرِيمُ الْ … جَدِّ وَالْعَمِّ وَالْخَالِ

تُسَرُّ بمَرْآهُ العيونُ كأنّهُ … عَقِيلة ُ خِدْرٍ كاعبٌ ذاتُ خَلْخالِ

يَمُرُّ عَلَى وَجْهِ الثَّرَى فَتِخَالُهُ … تَدَفُّقَ رَقْرَاقٍ مِنَ الْمَاءِ سَلْسَالِ

تبخْتَرَ مَحتوماً إليكَ وإنّهُ … لمَشيُ دَلالٍ لا تَبخْتُرُ إدْلالِ

يَتِيهُ بِسَرْجٍ عَسْجَدِيٍّ كَأَنَّمَا … هلالانِ منهُ في المُقدَّمِ والتالي

وليسَ كما ظنُّوهُ مَركوبَ زينة ٍ … وَلكِنَّهُ مَرْكُوبُ عِزٍّ وَإجْلاَلِ

ومُثْقَلَة ٌ بالحَلْيِ سَوداءُ حُرّة ٌ … عراقيّة ٌ بَحريّة ٌ أمُّ أطفالِ

إذَا مَا دَرَجْنَ حَوْلَهَا يَرْتَضِعْنَهَا … جَرَيْنَ بِأَرْزَاقٍ تَدِرُّ وَآجَالِ

فَمِنْ حَاسِرٍ يَخْشَاهُ كُلُّ مُدَجَّجٍ … ومنْ صامتٍ يُزْري على كلِّ قَوّالِ

ومن مُرْهَفاتِ الحَدِّ تهزأُ بالظُّبى … وَيَفْرَقُ مُنْهَا كُلُّ أَسْمَرَ عَسَّالِ

وَمُشْتَرِفٌ مِنْ نَسْلِ أَعْوَجَ خَا … وكائنْ لدَيْها من وفودٍ وسُؤّالِ

فَهُنِّئْتَهَا يَابَا الْمُظَفَّرِ رُتْبَة ً … تبَوَّأْتَ منها مَرقَبَ الشرَفِ العالي

ولا زالَ مَعقولاً بسيفِكَ شارِدُ الممالكِ مَوسوماً بهِ بعدَ إغْفالِ … الْمَمَالِكِ مَوْسُوماً بِهِ بَعْدَ إغْفَالِ

وَلاَ عَدِمَتْ أَذْوَادُهَا وَسُرُوحُهَا … قَبائلَ من راعٍ عليها ومنْ والِ

ومُلِّيتَ عيداً مُوذِناً بوفودِهِ … عليكَ بأعوامٍ تَكُرُّ وأَحوالِ

إذَا خَلِقَتْ أَثْوَابُهُ وَبُرُودُهُ … فَغَيِّرْ بِعِزٍّ مُسْتَجِدٍّ وَإقْبَالِ