زَرَعَ القصِيدةَ ثُمَّ نام – جمال مرسي

زَرَعَ القصِيدةَ ثُمَّ نام .

هُوَ مُطمَئِنٌ أنَّ عُمراً مِن عَنَاءِ الفَأسِ و المِحرَاثِ

و التَّنقِيبِ في قِمَمِ الجِبالِ

و في السَّحابَةِ

والفَيَافِي

عَن مِياهِ الشِّعرِ يَروِي جِذرَهُ العربيَّ

لم يَذهَبْ هَباءً في خِضَمِّ الوَهمِ

أو هَذَرِ الكَلاَم .

هو مُطمَئِنٌ أنَّ ما زَرَعَت يَدَاهُ

من الفَسَائِلِ و القَصَائِدِ

سوفَ يُنبِتُ في قُلوبِ العاشِقِيهِ

حدائِقَ الزَّيتُونِ والرمَّانِ

يبعثُ شُعلةَ النيرانِ

والأَقمارَ

في جُنحِ الظَّلام .

هو مُطمئِنٌ أنَّ أَطفالِ الحِجارةِ و الجدارةِ

في قصائدِهِ .. غداً .. سيناكبونَ الغيمَ

يتَّخِذُونَ نجماتِ المجرَّةِ مسكناً

يتقوَّتونَ على الضِّياءِ

على خشاشِ النَّجمِ

يغتبِقونَ قهوةَ أُمِّهِ

و حليبَ فجرٍ ما تغيَّرَ طعمُهُ مِن يومِهِ

حتى يعودوا مثلما الطَّيرِ الأَبابيلِ اْنتِفاضاتٍ

على ليلٍ يُعربدُ في ضلوعِ القدسِ

يغرِسُ نصلَهُ في طُهرِ غزةَ

ثم يشربُ نخبَ نشوتِهِ دماءَ التِّينِ والزَّيتُونِ

جاماً بعد جام .

هُوَ مُطمئنٌ

أَنَّ أَشباهَ الرِّجالِ سيسقطونَ بقاعِ جُبٍّ

بعدما رفعَ القصيدةَ بيْرقاً

و سيُدفَنُونَ

فلن يظلَّ سِوى الكرامةِ و الكِرام .

يا يَاسَمِينَ قصائدي

هل أَخبَرَتْكِ الطَّيرُ عن ” قمرِ الشَّتاءِ ” ،

عنِ ” المنادِيلِ ” التي قطرَت دُموعاً ” في اْنتظارِ العائِدِينَ ” ،

و نحنُ في حَرَمِ القصائِدِ نحتفِي بالفارسِ العَرَبِيِّ

يشهَرُ حرفَهُ

ليُعيدَ أَمجادَ القصِيدةِ

يبعثَ المَيْتَ الذِي واراهُ جهلُ العابثينَ بلحمِهِ و عظامِهِ

مِن ألفِ عام .

هل أَخبَرَتْكِ بأنَّهُ ما ماتَ من جعلَ القضِيَّةَ همَّهُ

و شرابَهُ و طعامَهُ

حتى نَمَت كحمامةٍ خضراءَ فوقَ غُصونِهِ

يروِي صداها رغمَ ويْلاتِ المنافِى مِن كؤوسِ لُحونِهِ

و يُذِيقُ مَن يُزرِي بِها الموتَ الزُّؤام .

زَرَعَ القصِيدةَ ثُمَّ نامَ بفيِّها

يُسراهُ تُمسِكُ غُصنَ زيتونٍ

و في اليُمنى حُسامْ

و تمدَّدَ الجسدُ النَّبيلُ فلا تُراعُوا

و اتركوهُ مُوَسَّداً بقصيدِهِ

لا تُحدِثُوا الضَّوضاءَ قُربَ الفارِسِ

ال أَلقي على الخُشُبِ المُسنَّدةِ السَّلام.