زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ – مصطفى صادق الرافعي
زمانٌ عيشُنا فيه اضطرارُ … كما تحتَ الثرى دُفن النضارُ
نحاذرهُ ومن يخشَ الرزايا … فاصعبُ من رزاياهُ الحذارُ
ويلهو بعضُنا كالشاةِ ترعى … وقدْ حدت بجانبها الشفارُ
وإطراقُ الزمانِ يغرُّ قوماً … وما إطراقهُ إلا افتكارُ
يظنُ المرءُ أن قد فرَّ منهُ … ولكن كانَ منهُ لهُ الفرارُ
إذا وسعتْ في قفصٍ لطيرٍ … فكيفَ يفرُّ والقفصُ المطارُ
أرىما تمنحُ الدنيا هموماً … فأهنى العيشِ أمنٌ وافتقارُ
وكيفَ يُسرُّ ذو دينٍ تراهُ … يزيدُ ديونهُ هذا اليسارُ
لعمركَ إنما الأموالُ حزنٌ … فإن العمرَ ثوب مستعارُ
وما ماتَ الغنيُّ بغيرِ همٍّ … وأيةُ حسرةٍ هذا الخسارُ
كأن المالَ أقلامٌ فمنها … بسفرِ العمرِ حذف واختصارُ
كأنَّ خزانةَ الأموالِ قبرٌ … ففي نفسِ الغنيِّ بها انكسارُ
ويا عجباً من الأقدارِ تجري … وبعدَ وقوعِ ما تجري تدارُ
رأيتُ الفقرَ للفقراءِ حظاً … وفي أهلِ الغنى لهم اعتبارُ
وإن نالَ الفقيرَ الهمُّ يوماً … فأهونُ من لظى النارِ الشرارُ
يذلُ لهُ الزمانُ فلا يبالي … بما يأتي المساءُ ولا النهارُ
فيا كوخَ الفقيرِ غدوتَ دنيا … وكلُّ الأرضِ للفقراءِ دارُ
على تلكَ القصورِ أرى دخاناً … أخفَ عليكَ منهُ ذا الغبارُ
وفيكَ سلامةٌ من كلِّ همٍّ … وفيها من همومِ الدهرِ نارُ
عليكَ الشمسُ تاجٌ لم ينلهُ … سواكَ ومن حلى الظلِّ السوارُ
وإن يكن الزمانُ لهُ أميرٌ … فمن فيهِ لذا الدهرِ احتقارُ
كأن الدهرَ أليسَ جلدَ هرٍّ … وكلُّ مملكٍ في الناسِ فارُ
وما يغني كبارَ الإسمِ شيءٌ … وأنفسهم وإن كبروا صغارُ
فيا كوخَ الفقيرِ إذاً سلاماً … فأنتَ لبهجةِ الدنيا وقارُ
وما تلكَ القصور سوى ذنوبٌ … وأنتَ لها من الدهرِ اعتذارُ