ديوان الرقصات – أديب كمال الدين

الرقصة الأولى

اهبطي

مثل حرفٍ بليغ يروم المثول

بين أيدي السطور

مثل سجنٍ يروم الهروب

مثل نهر يمارس ألعابه القاتمة

مثل ميت يُعاد

اهبطي. ها هنا آسنا يحتفي

ثلجنا يختفي

عشبنا يرتوي

نار خوف السكون

وانتظارات ريح الظنون

ها هنا ريحنا المبهجة:

ريحُ ميت يُعادْ.

ها هنا ارقصي.. مرّةً..

ارقصي حطّمتنا التخوم

حطّمتنا دفوفُ الهيام

.. دورةً، دورتين

هاتني صرخةً خافتة

نظرةً خافتة

مثلما الماء إذ يستفيق

من لظاه العميق

..نظرةً ثم أخرى

..خطوةً ثم أخرى

..دورةً ثم أخرى

هاتني خصركِ،

صوتكِ،

وجهكِ،

والغموض العجيب

.. دورة ً ثم أخرى

.. خطوةً ثم أخرى

.. نظرةً من حنين

.. إنني أنحني مثل آس فتي

أختفي في جفون العيون

أشتهي أن أكون

إنني أبتدي بالكلام

عامراً بالرؤى والجموح.

.

الرقصة الثانية

هاتني خصركِ،

قلبكِ،

والحنين العجيب

انظر الآن ماذا ترى؟

ـ هاهي الريح

والعصافيرُ من نومها أقبلت وهي تنأى. الدخان

ساهم كالأسى يرقب الآن، خلف الوجوه، الزمان

والعيون التي تحتوي ميسمي

لم تكن تفهم العشب إذ ينحني

وردةً تحتوي الشمس،

صوتَ هذا اللقاء: الجنون

“…قيل لي انها خفقة

للينابيع إذ يفتح الفجرُ أجفانه بالضياء

انها ميسم للعناقيد إذ ترتوي بالغناء

انها رنّة الكأس أو قُبْلة

تشتهي أن تلفَّ الجسد

تنحني بين أوراقه شمعةً،حفلةً للشموع”

.. دورةً.. دورتين

انظر الآن ماذا يكون..؟

ـ العصافيرُ ذكرى تجول

كلما أضحك الوردُ أعشابه بالدخان

العصافيرُ ذكرى تجولُ الشوارع،

القطاراتِ والأنهر النائمة،

المنافي التي أشعلت لون أثوابها،

والعصافيرُ مذ غادرت نخلها المنتظر

احتوتها السنون التي أشعلت

جمرةً بين أجفاتها.

أشعلتْها إذن..

ـ هاهي الريحُ من نومها أقبلت تعصفُ

والعصافير قدّامها تركضُ

هاهي الريحُ من نومها أقبلت تركضُ

والعصافير قدّامها تعصفُ

.. دورةً ثم أخرى

خطوةً ثم أخرى

نظرةً من وجوم.

.

الرقصة الثالثة

اطفىء الصوتَ هذا الذي يرتديني دماً غامضاً

يرتديني لقاءً لنهر عميق العذاب

وانكساراتِ ليلٍ طويل الغياب

يرتديني إذن؟ اطفىء الصوت

اطفىء الطفلَ هذا الذي لم أره

.. نظرةً ثم أخرى

خطوةً ثم أخرى

دورةً ثم أخرى

أي دمي مرّ صوتُ العصافير

بعدما أحرق النسرُ أجفانها

ومواعيدها الطفلة الباسمة

مرّ صوتُ الشموس التي لم تكن

تستضيف الكلام البليد

أي دمي يا دمي هل ترى طائراً

ظلّ وقت انهمار السماء؟

هل تراني دمي؟ اطفىء الصوت َوالريح

إنني أستطيع المسافة

أن أقول الفضاء:

إنني حضن طفل بريء

إنني وحشة الأقبية

إنني قبلة هامدة.

هاتني نظرةً

مثلما القلب إذ يستفيق

من لظاه العميق

.. دورةً.. دورتين

إنني أستطيعُ الحقيقة

أستطيع ُالغناءَ الذي كان لي شاهدي المنفرد

كان لي ورقة معشبة،

غضبة السيف عند انعتاق الخيول،

بسمة الطير عند اشتداد الشتاء

وانحدار البساتين من نومها كالعروس

فلنغنِ : الفراقُ الفراق

أتعب الفجرَ والطفل

الفراقُ الفراق

أتعب الظلَّ والجرفَ والعشب

الفراقُ الجموح

أتعب َالماءَ هذا الجموحْ.

دورةً للهبوط

دورةً للهبوط الثقيل

دورةً للحنين الثقيل.

.

الرقصة الرابعة

لم يزل وردنا صابراً

والكمان الوحيد

جالس مثل نبع يتيم

هاتني قبلة للمساءات

حينما ينتهي صوتها ضجةً مبهمةْ

وردة تُشتهى وهي سكرى بغصن الظلام

خفقةً بالغت في الكذب

وأشتهت أن ترى أيّ شيء:

جثةً أينعت أو حنين النهار

هاتني قُبلةً مثلما عشبة أورقت

كي أحنّي الدماء.

..دورةً..دورتين

هاتني صرخةً خافتة

نظرةً خافتة

مثلما النار إذ تستفيق

من لظاها العجيب

.. خطوةً للأنين

خطوةً للجنون البليغ

خطوة ً للهدوء المريب

خطوةً للحنين.

.. قُبلةً من سكون:

كم تريدين لي أن أكون

مثل مرثية انتهتْ واختفت؟

كم تريدين لي أن أكون الكمان اليتيم،

الكمان الذي شجَّ أوراقه الناتئة

كم تريدين لي أن أموت؟

.. قبلةً من وجوم:

ربّما كي نموت

كي نواصل

لحننا المستديم الثقيل

.. قبلةً من ربيع:

كي نغني معاً

لحننا الخالد المستحيل.

كلمات: فهد الهاجري

ألحان: عبدالله الرويشد

2004