دع ذا وقل لبني الآمال قد وضحت – أسامة بن منقذ

دع ذا وقل لبني الآمال قد وضحت … لكم سبيل الأماني وانجلى الأسف

وأينعت دوحة للجود دانية الـ … ـقطوف يجني الغنى منها ويقتطف

أُمُّوا بآمالِكم مِصراً، فإنَّ بها … سحَابة ً من نَداها السُّحبُ تَغْترفُ

أجرى بها الله نيلاً زائداً أبداً … فليس يَنقُص في وقتٍ، ولا يَقفُ

مِياهُه من نُضارٍ جامدٍ، وعلى … أرجائِهِ، للأمَانِي، روضة ٌ أنُفُ

عَلَت بها راية ٌ للعدِل، قاصِدها … يقتَصّ من دهرِه الجاني، وينتصفُ

سعى بها أروع في الروع ذو ورع … في السَّلِم، حتّى تجلَّى الجَورُ والجنَفُ

وجادَ بالمالِ، حتَّى لم يدَع أملاً … ما الجود والفضل إلا البذل والسرف

الملكُ الصالحُ الهادي الذي كشَف الـ … ـغَـمَّاء إنَّ الدُّجَى بالصبحِ مُنكشِفُ

من فيه عن زخرف الدنيا وزينتها … مذ راودته على عليائه ظلف

جوابُه نَعمٌ، في إثرها نِعَمٌ … ولا تُلائمُ فاهُ اللامُ والأَلِفُ

يُغنى العُفاة َ، ويلقاهُم بمعذِرَة ٍ … كأنما عاتبوه وهو مقترف

ما يبلغ الشكر ما يوليه من منن … إنعامُه فوقَ ما نُثْنِي وما نَصِفُ

لكن مواهبه في الخلق شاهدة … بِشكرِ إنعامه، والشكرُ يختلفُ

كالرَّوضِ إن لم يُطِق شكَر السحابِ إذا … همى فنضرته بالفضل تعترف

يا كافِيَ الخلقِ بالنُّعمَى ، وكافِلَهم … حتَّى لقد أمِنُوا في عدلِه وكُفُوا

رأيت مجدك يعلي قدر واصفه … فكيف لا يتعالى قدر من تصف

قلدتني أنجم الجوزاء قد نظمت … عِقداً، فحَقَّ لمِثلِي الفخرُ والشَّرفُ

أعلت محلي فقد أصبحت من شرف … بها على المشترِي أسمُو، وأشْتَرِفُ

حلا بسمعي وحلاه فمنه به الـ … ـبُشرى ، بإدراكِ ما يرجُوه والشَّنَفُ

جعلت نظمي له ضنا بفاخره … وقاية ً ووقاء الجوهر الصدف

لأَصْرِفَ العينَ عنه، إنها أبداً … عن الكمال برؤيا النقص تنصرف

يا كاشفَ الغُمَّة ِ، اسمع دعوة ً كملت … شكراً، تظلُّ له الأسماعُ ترتَشِفُ

من نازح الدار بالإخلاص مقترب … حُرٍّ، برِقِّك دونَ الخلقِ يَعترفُ

إذا رأى بعده عن باب مالكه … يكاد يقضي عليه الهم والأسف

لو حَاولَ الخلقُ جمعاً حملَ مالَكَ مِن … من عليه وأدنى شكره ضعفوا

كم فَاجأتني مِن نُعماك عارفة ٌ … سبيلُها عن سبيلِ الوعدِ مُنحرفُ

بها عَنِ الوعْدِ كبرٌ، كلُّه كرمٌ … وعن تَقاضيه تِيه، كلُّه أنَفُ

وجمع شملي بمن لي في ذراك وإن … أضحى لهم من نداك البر واللطف

مجدد لي ما أوليت من نعم … ما زال لي تالد منها ومطرف

فابرد بهم حر قلب ليس يبرده … سواهُم، وحشاً من ذكرهم يجِفُ

وارحم ضعافاً وأطفالاً إذا ذكروا … بُعدى عَصَتهم، ففاضتْ أدمعُ ذُرُفُ

لهَم نَشِيجٌ وإعوالٌ إذا نَظروا … من حَالهم غيرَ ما اعتادوا وما الفُوا

فنظرة منك تحييهم وتجعلهم … محمولة ً عنهم الأثقال والكلف

وليس لي شافع إلا مكارمك الـ … ـلاَّتي إذا استُعطِفَت للفضلِ تَنعطِفُ

واسلَم، لتحيا بك الدنيا وساكِنُها … ما اغبِرَّت البيدُ، أو مااخضّرت النُّطَفُ

والق الأعادي بجد لا يخونك إن … خانت غداة َ اللقاءِ البيض والزَّغفُ

علومك البحر غمراً ليس تنتزف … أسماعُنا لمعانِي دُرّها صَدَفُ

فان يُجِد فَلْتَة ً في الدهرِ ذُو أدَبٍ … تجِده من بَحرِكَ الزَّخَّارِ يَغترفُ

تجيل فكرك في روض العقول فلا … تزال تختار ما تجني وتقتطف

بعثْتَ منها هَدِيّاً في الورَى ، جُلِيتْ … فالحُسنُ وقفٌ عليها ليس ينصرفُ

عَذراءَ، تُثبتُ فضلَ الواصِفينَ لها … فَقد أفادَتْ جَمالاً كلَّ مَن يَصِفُ

بَعثْتَها دِيَماً تُروى بها عَطَش الصَّـ … ـادِي، ومسكَنُها في سيرها الصُّحفْ

تَرَوى القلوبُ بها بعد العُيونِ، فَلا … قلبٌ، ولا عينَ إلاَّ وهو يَرتشفُ

ألْهَتْ عن الحسنِ والإحسانِ أجمعه … إذ استَبان بها عن غيرِها أَنَفُ

حسناء تبرز في عرنينها شمم … من الجمال وفي أجفانها وطف

كأن أسماعنا لما أصخن لها … عجبا أتيح لها من حليها شنف

بدت لنا كمصابيح الظلام وفي … رأيِ العيونِ أتتنا الروضة ُ الأُنُفُ

قد برهَنَت بالمعانِي عن فؤاد شَجٍ … قد هاضه الأثقلان: الهم والأسف

إن يبتسم غلطة ً في الدهر عاتبه … قلبٌ مدامِعُه في صدرِه تَكِفُ

ورب صعب بدا من بعد شدته … لأضعفِ النّاسِ حَولا، وهو مُنْعطِفُ

وكم مصابِ جنته فرقة ٌ، فغدَا … سحابه بنسمِ القُربِ ينكشِفُ

وكربة نزعت عنها ملابسها … والقَلبُ منها بثوبِ الهِمِّ مُلتحِفُ

وحين تشرف أنوار الشموس فما … يَضرُّ ماضِي لَيالٍ عمَّها السَّدَفُ

أحوال ضرك مجد الدين واضحة … قد كانَ للدّهرِ في توكيدهَا سَرفُ

برْقُ اليقينِ بدا منَّا إليكَ فما … يغر خلبه بل سحبه تكف

لا نُخلِفُ الوعدَ منَّا بالنَّجاحِ لِمنَ … لنا بآمالِه في القَصْدِ يَختلِفُ

يقولُ حاسِدُنا، والحقُّ أنطَقَه … إذ شمسُه، لا كمثل الشمس تنكسفُ:

أولاد رزيك لا فخر كفخرهم … حازُوا المفاخر في الدُّنيا وهم نُطفُ

وكم أراد الورى إحصاء فضلهم … في المكرمات فما اسطاعوا ولا عرفوا

لكنَّهم أخذُوا ما تَستقلُّ به … أفهامهم وإلى حيث انتهوا وقفوا

نُدنِي الغِنَى من يدَى ْ ربِّ المُنى ، فلَنا … به المطي إلى أوطانهم تجف

في غيرنا تخجل الآمال إن قصدت … وما يَخيبُ رجاءٌ عندَنا يَقِفُ

وقد قضَى اللّهُ بي تأليفَ شملِكمُ … وكانَ ظنُّكُم أنْ ليس يأتَلِفُ

وقد أساء لكم دهر مضى فإذا … شئتُم من الدَّهرِ فاقتَضُّوا، أو انتصفُوا

واقضوا ديون الهوى عن مدة سلفت … تَشاكياً، وعلى المستأنَف اسْتَلِفُوا

وقد بدأْنَا، وتمَّمنا، فهل أَملٌ … يدعو وهل مدمع قد عاد ينذرف

نحن الزلال دفعنا غصة ً عرضت … لكُم، فلما عَرضْنَا لم تكن تَقِفُ

وعندنا أهلُكُم، كانوا لعيشِهمُ … كأنهم عنك ما غابوا ولا انصرفوا

كم جهد ذي الهم أن يبقى تجلده … عليه والهم في استمراره التلف

لاتأسفن على فقدان غيرهم … فَفي الملاَوم قد جُرَّت له عُطَفُ

قوم إذا ارتفعوا قدراً هووا همماً … فالمكرُماتُ لَعَمْري بينهم طُرَفُ

ولا تَقُل إن تذكرتَ البِلادَ أسًى … بأنَّ قلبكَ بالأشواقِ يُختَطَفُ

وإن دولتنا كنت الوحيد بها … فضلاً، فكيف يُرَى منكم بها خَلَفُ

عليكم بدع الآداب قد وقفت … فما لها عنكم في الدهر منحرف

مَن ناشِدٌ عهدَ ذاكَ الإجتماعِ لَنا … فقد أضَاعته منكُم نِيّة ٌ قُذُفُ

هنيت أهلك مجد الدين فانتجع الـ … فراحَ، وانظر، فإنْ الخير مؤتَنَفُ

كلمات: بدر بن عبدالمحسن

ألحان: محمد شفيق