حمائم الأيك هيجتن أشجانا – أسامة بن منقذ

حمائم الأيك هيجتن أشجانا … فليبك أصدقنا بثا وأشجانا

كم ذا الحنين على مر السنين أما … أفادكُنَّ قدِيمُ العهدِ نِسياناً

هل ذا العويل على غير الهديل وهل … فقيدكُن أعزُّ الخلقِ فقدانا

ما وجدُ صادحة ٍ في كلّ شارقة ٍ … تُرجّعُ النَّوحِ في الأفنان ألحانَا

كما وجدتُ على قَومي تخوَّنَهم … ريبُ المَنونِ ودهرٌ طَال ما خَانَا

إذا نهى الصبر دمعي عند ذكرهم … قال الأسى : فض وجد سحا وتهتانا

قالوا: تأس وما قالوا بمن وإذا … أفردتُ بالرزء ما أنفك أسوانا

ما حدثتني بالسلوان بعدهم … نَفسي، ولا حانَ سُلوانِي ولا کنَا

ما استدرج الموت قومي في هلاكهم … ولا تخرَّمَهمْ مَثْنى ووُحدانَا

فكنت أصبر عنهم صبر محتسب … وأحمل الخطب فيهم عز أو هانا

وأقتدي بالورى قبلي فكم فقدوا … أخاً، وكم فارقُو أهلاً وجيرانَا

لكن سقب المنايا وسط جمعهم … رغا فخروا على الأذقان إذعانا

وفاجأتهم من الأيام قارعة … سقتهم بكؤوس الموت ذيفانا

ماتُوا جميعاً كَرجعِ الطَّرِف، وانقرضُوا … هل ما ترى تارك للعين إنسانا

أعزز علي بهم من معشر صبر … عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا

لم يترك الدهرُ لي من بعدِ فقدِهمُ … قلباً أُجشِّمُه صبراً وسُلوانَا

فلو رأوني لقالوا: مات أسعدنا … وعاشَ للهمِّ والأحزانِ أشقانَا

لم يترك الموتُ منهم من يُخبرِّني … عنهم فيوضح ما لاقوه تبيانا

بادُوا جميعاً، وما شَادُوا، فوا عجباً … للخطب أهلك عماراً وعمرانا

هذي قصورهم أمست قبورهم … كذاكَ كانوا بها من قبلُ سُكَّانَا

ويح الزلازل أفنت معشري فإذا … ذكرتُهم، خِلتُنِي في القوم سَكرانَا

بَنِي أبِي، إن تَبيدُوا، أن عَدا زَمنٌ … عليكم دون هذا الخلق عدوانا

فلن يَبيدَ جوَى قَلبي ولا كَمَدِي … عليكم أو يبيد الدهر ثهلانا

أفسدتم عمري الباقي علي فما … أنفك فيه كئيب القلب ولهانا

أُفردتُ منكمُ، وما يَصفُو لمنفردٍ … عيش ولو نال من رضوان رضوانا

فليتني معهم أوليت أنهم … بقوا وما بيننا باق كما كانا

لقيتُ منهم تبَاريحَ العُقوقِ، كَما … لقيتُ من بَعدهِم همّاً وأحزَانَا

لولا شَماتُ الأَعادي عند ذكرِهِمُ … لغادرت أدمعي في الأرض غدرانا

أَرُدُّ فَيضَ دُموعي في مَسالِكِها … فتستحيل مياه الدمع نيرانا

لا ألتقي الدهر من بعد الزلازل ما … بقيت إلا كسير القلب حيرانا

أخنت على معشري الأدنين فاصطلمت … منهم كهولاً، وشبّانا، ووِلدانَا

كم رامَ ما أدركتْهُ منهمُ مَلِكٌ … فعاد باليأس مما رام لهفانا

لم يحمهم حصنهم منها ولا رهبت … بأساً تَناذَرَه الأقرانُ أزمانَا

أتَاهُم قَدرٌ لم يُنْجِهم حذرٌ … منه، وهل حَذرٌ مُنجٍ لمن حَانَا

إن أقفرت شيزر منهم فهم جعلوا … منيعَ أسوارِهَا بيضاً وخُرصاناً

هم حموها فلو شاهدتها وهم … بها، لشاهدتَ آساداً وخَفَّانَا

كانوا لمن خاف ظلماً أو سطا ملك … كهَفاً، وللجانِي المطلوبِ جِيرانَا

عَلَوْا بمجدِهمُ سيفَ بنَ ذي يَزَنٍ … كما علت شيزر في العز غمدانا

كانوا ملاذاً لأيتام وأرملة … وبائس فاقد أهلاً وأوطانا

إذا أتيتَهمُ ألفيتَ شطرَهُم … مسترفدين وزواراً وضيفانا

تراهُمُ في الوغَى أُسداً، ويومَ نَدى ً … غيثاً هتوناً، وفي الظلماء رهبانَا

حاولت كتمان بثي بعد فقدهم … فلم يطق قلبي المحزون كتمانا

لعل من يعرف الأمر الذي بعدت … بَعدَ التَّصاقُبِ من جرَّاهُ دَارانَا

يقولُ بالظَّنِّ، إذ لم يَدر ما خُلقِي … ولا محافظتي من حان أو بانا

أسامة لم يسؤه فقد معشره … كم أوغرُوا صَدرَه غيظاً وأضغاناً

وما درَى أنَّ في قلبِي لفقدِهمُ … ناراً تلظى وفي الأجفان طوفانا

بنو أبي وبنو عمي دمي دمهم … وإن أروني مناواة ً وشنآنا

كانوا جناحي فحصته الخطوب وإخـ … ـي، فلم تُبقِ لِي الأيّامُ إخوانَا

كانوا سيوفي إذا نازلت حادثة … وجنتي حين ألقى الخطب عريانا

بهم أصولُ على الأمرِ المهولِ، إذَا … عرا وألقى عبوس الدهر جذلانا

فكيف بالصبر لي عنهم وقد نظموا … دمعي على فقدهم درا ومرجانا

يطيب النفس عنهم أنهم رحلوا … وخلَّفونِي على الآثارِ عَجلانَا

سقى ثرى أودعوه رحمة ً ملأت … مثوى قبورهم روحا وريحانا

وألبس الله هاتيك العظام وإن … بلين تحت الثرى عفواً وغفرانا