دعاك أميرُ المؤمنين وإنّما – عبدالغفار الأخرس
دعاك أميرُ المؤمنين وإنّما … دعا مسرعاً فيما يروم مسابقاً
فلبيته لمّا دعاك ولم نجد … عن السَّير في تلك الإجابة عائقا
وقدمت للترحال عزمتك التي … تحثّ إلى المجد الجياد السوابقا
على ثقة منه بما أنتَ أهله … وما كان إلاّ في جنابك واثقا
فكان إذا ما اعتلَّ أمرٌ بملكه … رآك طبيباً للممالك حاذقا
برأي إذا هزَّ الأسنة واخز … وعزم إذا استل الظبا كان فالقا
نظرت بنور الله في كل غامض … بعيد المدى حتى عرفت الحقائقا
وفيك مع الإقدام واليأس في الوغى … خلائق ما زالت تَسُرُّ الخلائقا
صلابة دين ترغم الشرك أنفه … وتخذل أعلاجاً له وبطارقا
يسرّ بها من كان بالله مؤمناً … ويكبت فيها ملحداً ومنافقا
ولا غرو من كان الفتوح بوجهه … إذا استتتفتح الإسلام فيه المغالقا
إذا التقع وأمسى عارضاً متركماً … وأرسلتِ الشهبُ المنايا صواعقا
تحبل نهار الحرب أسود حالكاً … وسوسن أوراق الحديد شقائقا
فكم ناطق بالكفر أصبح أخرسا … وكم أخرسٍ بالشعر أصبح ناطقاً
جزيت جزاء الخير عن أهل بلدة ٍ … ببأسك تكفيها الخطوب الطوارقا
غَرَسْت من الإحسان فينا أيادياً … فأنْبَتْنَ بالذكر الجميل حدائقا
أجدتَ نظام الملك حتّى كأنَّه … من الحسن أضحى لؤلؤاً متناسقاً
وفارقتنا بالكرة منا ولم تزل … حميد السجايا مقبلاً ومفارقاً
فحقَّ لبغداد البكاء وكيف لا … وقد فارقت فخر الوزارة نامقا
وكنت بنا بَرّاً رؤوفاً ووالياً … عطوفاً وبحراً بالمكارم دافقاً
وعوّدنا منك الجميل عوايداً … إذا عدتْ العادات كن خوارقا
فدبَّرت منا رقعة ما تدبرت … وكم فرزنت أيديك فينا بيادقا
وفيما أراك الله إصلاح شأنها … سددتَ على أهل الفساد الطرائقا
تروق وتصفو إنْ كدرت سريرة … فلو كنت ماءً كنت إذ ذاك رائقا
فسرْ في أمانِ الله من كلّ طارق … مهمٍ فلا تخشى مع الأمن طارقا
إلى ملك تخطى لديه بحظوة … بنيت بها فوق النجوم سرادقا
تكون بمرآى من علاه ومسمع … فتتخذ البشرى رفيقاً موافقا
إذا كنت كنت من سلطاننا بمكانة … فقد أمِنَ السلطان فيك البوائقا
عليك ولا ريب بذاك اعتماده … كما اعتمد المرءُ الجبال الشواهقا
عزمت إليه بالرحيل وطالما … قطعت إلى الأمر المهم العوائقا
شة قك منه حضرة ملكية … وما كنتما إلاّ مشوقاً وشائقا
ستُرزق من ثمَّ السعادة كلَّها … فَتَحْمَد رزاقاً وتشكر خالقا
وفيك مع الإقدام والبأس سطوة … تعيدُ فؤادَ الدهر بالرعب خافقا
فما وجدا السلطان مثلك ناصحاً … ولا وجد السلطان مثلك صادقا