دال المعنى – أديب كمال الدين

أقفر من هيئتهِ حرفي ، ناشدني في موعدِ طين ٍ مجنـــون ٍ

أن ألقاكِ ، فمَن أنت ِ؟ سيسألني الحرف ُهنا عن مغزى أسئلةٍ مِـن

هذا النوع فأضحكُ منه قليلاً . مَن أنت ِ؟ خرافاتي أم خيباتـي ؟

صبواتي أم لعناتي ؟ زيفي المُعلن في الشارعِ أم تاريخ زبرجــد

أجدادي المحمولين على رمح المعنى ؟ سأكون صريحاً : أخفي قلقي

في مفتتح المنفى و أناور في تحديدِ العنوان لأكسب وقتا ً أفضح

خيباتي فيه ، فمَن ؟ أقفرتُ من المعنى ، وزّعتُ ثيابي للفقراء ،

خرجتُ الى الشارع عريانا ً أبحث عنكِ فصاح الأطفال علـيّ،

افرنقعت الساعاتُ ، اشتدّ رمادي واشتعل الرأسُ جنوناً . أختـار

حديثا ًأعمى فأجيبُ على مهزلتي : أنت ِأنا وإذن مَن أنتِ ؟ أنيرُ

ظلامي : من أجلكِ حاربتُ دمي يانزوتي الكبرى ، أعلنتُ الموتَ

على تاريخٍ أسود ، قمتُ أهشّ على كلماتي كي أحيا فخرجتُ الى

مدنٍ من طين ٍ وخرافات ٍ ، قبّلتُ امرأة ً من حرفِ الباءِ ، رسمتُ

لها طيرا ً، ضحكتْ ، نفختْ فيه فأتى الطيرُ إليها حلـّق فوق الماء

قليلا . رسمتُ لها البحرَ عميقا ً، ضحكتْ ، وضعتْ في هيئتـــه

سفنا ً. ورسمتُ لها موتا ً ، ضحكت ْ، نفخت ْ فيه فكان الفجـــرُ

نخيلا ، فدخلتُ اليها فيها معها ، فأفرنقع صوتُ دمي واشتعلَ الماءُ

وصاحَ الطير ُوطارَالحرفُ ، اشتدّتْ شمسي ، ماء َغلامي وعوى

قلبي . فبكتْ امرأة القلب وقالت : ( اهدأ انكَ مجنون بالحبّ اهدأ ).

فرفضتُ وصاياها واشتدّ خطابي هلعاً وبعدتُ كثيرا ً. فاحتار إلهي

فيّ وألقاني في الطين ولم يسمع ْ منّي شيئا. اختطفُ اليوم دموعي

وأصدّرها حرفا ً أبيضَ من قلقِ الطيرِ و موتِ البحرِ ، بقايا الرمـلِ

وفحمِ الجمرِ . أناشدُ نفسي : مَن أنتِ ؟ ولكني في رحم الأنثـى

بايعتُ حروفاً أخرى غير الحاء ، الباء . وبايعتُ الدال فمتُ ومـرّتْ

أزمنة من أسباخٍ و دموع ٍ ، أزمنة من عار ٍ و نباح ٍ . فارَ الحـرف

كما التنـّور فخفتُ على نفسي وصرختُ بقيعانك ِ: مَن…..؟ منّي

أم من غيري ؟ موتي أم فجري ؟ ضحكي أم نزواتي ؟ مَن أنـتِ ؟

اشتدّتْ أزمة حرفي ، أقفر من هيئتهِ ، طار إليك قليلاً وبكـى :

أنتِ الدال فمن يغنيني عن خيبة حبّي فيك ؟ ومن أنتِ ؟ أحاقـدة

أم ساحرة ؟ طبّال أم راقصة ؟ مدن من صخر و عـذابٍ

أم بيت من دفء ٍ ومرايا ؟ ما أفعل إذ القاكِ ؟ أأطلقُ ناراً أم أطلقُ

طيرا ً ؟ ألقي القبض على نفسي أم أهدأ خوف جنون يأخذنــي

للأسباخِ ، القمل ِ ؟ ومن أنت ِ ؟ أدالِ الدار، الدرّة أم دال الدلّة ِ

والدود ؟ أكون صريحاً ياخيبتي الكبرى : متهم قلبي بالزيــفِ

وأغصاني بالوحشة ، فاكهتي . أنتِ الحرف عميقا ً كالأسود يأتي ،

والربّ يهيىء مائدتي ، الأخضرُ يرحمني، جدّي يلقاني في الرملِ

يربّتُ فوق الموت الجاثم في قلبي ، أهتزّ قليلاً فأفيق من الحمّى

والموتِ و أهبط من نارٍ صاخبة ٍ معتذرا ًعن جفوة ليل ٍمن صخرٍ

وصباح ٍ من رمل ٍ وأمومة قشٍ ّ، وأقبّل كفكِ ، أبكى كالأرملــةِ

الثكلى ، أهبطُ من نارٍ صاخبةٍ ، بهدوءٍ أعمى أسـألُ : مَن أنت ؟