خمسون لا تنسى من الأحوال – جبران خليل جبران

خمسون لا تنسى من الأحوال … مرت وأنت بها لسان الحال

دالت بها دول ولاقيت الذي … لاقيت من غير ومن أهوال

ثبتا وعزمك مستزيد قوة … من طارئ الإدبار للإقبال

ألسحب تطبق والنجوم عواثر … وهو المنارة ضوءها متلالي

كم في صحائفك التي أخرجتها … من جهد أيام وسهد ليالي

كم ذدت عن حق وكم سددت من … رأي وكم بددت شمل ضلال

فأنار أهل الحزم كل حقيقة … وأثار أهل العزم كل خيال

ما أنس لا أنس المؤازرة التي … أوليتنيها في الزمان الخالي

أيام يبتعث الشباب عزيمتي … وأجول في شوط البيان مجالي

وأرى الحياة تبش لي فيها المنى … عن ألف ثغر في حروق مقالي

فرعيتني طفلا وأي مهييء … لتقدم كرعاية الأطفال

وإلى الحمى أهديت كتابا بهم … يعتز دع من كان من أشكالي

عهد الخليل سقتك أصفى درها … ديم الضحى وغمائم الآصال

كنت الطليعة في الزما المرتجى … لتحول الأفكار والأحوال

وأبو الصحافة فيك يدأب دأبه … نسجا بلا سأم على منوال

كان الخليل بجده وثباته … للمقتدين به أجل مثال

فلال غرب الكارثات بحمله … للحادثات وهن جد ثقال

يجني المنى كالورد من أشواكه … ويهون الآلام بالآمال

ويظل ما شاء الوفاء لقومه … حرب العدو وسلم كل موال

في صورة الحمل الوديع وربما … ألفيته في صولة الرئبال

إني لأذكر وجهه الحر الذي … زان المشيب بهاءه بجلال

جمع الصباحة والسماحة والرضى … مترائيات في مزاج جمال

وأرى وجوه ثقاته من حوله … وكأن ستر الغيب يجلوها لي

من كل معوان سواد مداده … نور ومرمى ناظريه عالي

ملأوا صحيفته بما تملي النهى … من رائع الآراء والأقوال

وسليم اللبق الأديب بغيض من … بحر ابتكار باهرات لآلي

يأتي بكل طريفة بكر لها … من جدة ما لم يمر ببال

ويرى كوري الزند خاطره بما … يجري على قلم له سيال

عهد مضى وغدا أعزته الأولى … أحيوا بلادا في الرميم البالي

لكن من حرم العيون خليلها … سر القلوب بأكرم الأنجال

يا رامز الخير الذي آدابه … في عارفيه مضارب الأمثال

وخلاله في بالغي أعلى الذرى … بمكارم الأخلاق خير خلال

بك يستديم المجد ذخر أمانة … هي في يديك أمانة الأجيال

فاهنأ بيوبيل اللسان ونل به … ما شئت من حب ومن إجلال

واسلم له دهرا مديدا وليدم … عنوان فضل في الحمى وكمال