سر العذارى منبيء – جبران خليل جبران
سر العذارى منبيء … عن شاعر للحي زائر
فقصدته وسخرن من … زجر الأميمات الزواجر
ليرين فتنته التي … تغوي العفيفات الحرائر
فوجدنه رجلا مليحا … خلقه حسن الظواهر
لا شيء يفتضح النهى … فيه كما ادعت النواهر
ولعل في منظومه … آياته الكبر السواحر
فسألنه إنشاد شيء … من بدائعه الحواضر
فأطاعهن ومن ترى … يعصي الجميلات الأوامر
فعقدن فيما حوله … عقدا فريدا من جواهر
وتناول الرجل الرباب … وفكره في الغيب ناظر
وأثار في الأوتار تغريدا … كأن العود طائر
ثم انبرى يروي روايته … وتتبعه الخواطر
كان الأمير مهند … بطلا شهيرا في العشائر
من آل بدر الباسلين … الباذلين ذوي المفاخر
ينضم تحت لوائه … ألف من الأسد القساور
رجل كما تهوى المحامد … خلقه والخلق باهر
ذو صولة مشهورة … بين البوادي والحواضر
وشجاعة في القلب تخفيها … العذوبة في النواظر
نخشى الليوث لقاءه … وتود رؤيته الجآذر
يهوى فتاة من بني … حمد الكرام ذوي المآثر
لكن بين أبي الفتاة … وبينه ثأرا لثائر
فسعى ليخطبها على … صلح فعاد بسعي خاسر
عصفت حميته به … ناهيك بالصب المخاطر
فغزاهم برجاله … وبكل ذي ثار يضافر
وتقاتلوا يومين لم … يظهر من للجيشين ظاهر
حتى اغتدى ذاك العراك … كأنه بعض المجازر
فدعا مهند للبراز … وقد تحدى كل حاضر
ما جال إلا جولتي … أسد يبربر وهو زائر
حتى انبرى منهم فتى … متلثم ضافي الغدائر
فتجاولا وكلاهما … متقحم كالصقر كاسر
سرعان ما حكما الرماح … فأعملا بيض البواتر
وتواثبا متهالكين … كلاهما جلد مكابر
وكلاهما متخضب … بدم ولكن لا يحاذر
كان الملثم لا يخالس … مقتلا ممن ينافر
بل يبتغي إجهاده … لينال منه وهو خائر
متحرزا حتى تحين … نهزه اللبق المداور
فسطا عليه مبادرا … والفوز أخلق بالمبادر
وعلاه فهو مروع … كالشاة تحت ركاب ناحر
قال الأمير غلبتني … أفلست تعفو عفو قادر
فأجابه من فوره … أبشر فإنك أنت ظافر
ونضا اللثام فأشرقت … شمس أشعتها ضفائر
كانت حبيبته التي … خاض الردى فيها يخاطر
فتعاهدا وتعاقدا … بدماهما لا بالخناصر
وتصالح القومان في … عرس صفت فيه السرائر
مرت مواردهم ولكن … بعدها حلت المصادر
فأطافت الفتيات في … فلك من الأفكار دائر
وشهدن تلك الحادثات … كأن ماضيهن حاضر
وكأنهن رأين بالأبصار … ما رأت البصائر
ثم اتزدن فزاد ما … خلب العقول من النوادر
ثم استزدن فزاد ما … خلب العقول من النوادر
حتى إذا هبط النهار … كحط راحلة المسافر
ختم الكلام بمن حديث … هواه في الأمثال سائر
أذكى وأبلغ من عرته … جنة لهوى مخامر
أولى ولي من عرته جنة … لهوى مخامر
أولى ولي أن يقيم … العاشقون له شعائر
قيس ومن كفؤ له … بين الأوائل والأواخر
وأفاض في وصف الملوح … ما يشاء هوى السرائر
إذ بات يضرب في المفاوز … وهو ساجي الطرف حائر
كلفا طريدا لا شفيق … ولا رفيق ولا مؤازر
إلا إذا مر الغزال … به فيأنس وهو نافر
يبكي ويستبكي بشعر … خالص الدم منه قاطر
ويعلم الوحش الأسى … ويلين أحجار المقابر
حتى قضى في يأسه … دنقا مشوقا غير صابر
نامت نواظره … ولكن قلبه في القبر ساهر
فبكين قيسا ترحة … وحببنه ملء الضمائر
ونظرنه في شكل من … أبكى بما هو عنه ذاكر
ثم انثنين مكفكفات … دمعهن عن المحاجر
متلفتات تحو من … هو مثله غزل وشاعر
كل تقول بلحظها … يا قيس إني بنت عامر
تالله أنصفت النواصح … ليس هذا غير ساحر