حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا – ابن دارج القسطلي

حسبي رضاك من الدهر الذي عتبا … وجود كفيك للحظ الذي انقلبا

يا مالكا أصبحت كفي وما ملكت … ومهجتي وحياتي بعض ما وهبا

ما أقلع الغيث إلا ريثما خفقت … مجادح الجود من يمناك فانسكبا

ولا نأى السعد إلا وهو تجذبه … شوافع المجد عن علياك فاقتربا

أنت ارتجعت المنى غرا محجلة … نحوي وقد أعجزتني دهمها هربا

لئن دهتني شمالا حرجفا عصفت … بماء وجهي لقد أنشأتها سحبا

لئن تنوسي تحريم المحرم لي … سعيا لعجلان ما أمنت لي رجبا

أنستني بسنا الإصباح منبلجا … في حين أوحشني البدر الذي غربا

وصبحتني غواد منك مغدقة … عن بارق لي في جنح الظلام خبا

لئن توهمه الأعداء لي نكبا … أنحت علي لقد عوضتها رتبا

لئن فجعت بها بيضاء من ورق … تبأى علي لقد أخلفتها ذهبا

فمن يباري جواد الشكر فيك وقد … ناولتني يدك العلياء يوم كبا

وكنت ملجأه في النائبات وقد … سال الزمان عليه أسهما وظبى

وذب عدلك دون الحق منتقما … ورد نصرك ظلم العلم محتسبا

حتى تلافيت في ضنك المقام له … حظا غدا بين أيدي الظلم منتهبا

أبى لك الله إلا أن تفوز بها … خيرا ثوابا وخيرا عنده عقبا

أياديا إن أكن مخصوص نصرتها … فقد عممت بهن العلم والأدبا

وأنعما أكسبتني عز مفخرها … وغادرت كاشحي رهنا بما كسبا

فإن يقع جهد شكري دونهن فقد … أوجبن من حسن ظني فوق ما وجبا

من بعد ما أضرم الواشون جاحمة … كانت ضلوعي وأحشائي لها حطبا

ودسسوا لي في مثنى حبائلهم … شنعاء بت بها حران مكتئبا

حتى هززت فلا زند القريض كبا … فيما لدي ولا سيف البديه نبا

وأشرقت شاهدات الحق تنشر لي … نورا غدت فيه أقوال الوشاة هبا

هيهات أعجز أهل الأرض أن يجدوا … للدر غير عباب البحر منتسباب

وحاش للورد أن يعزى إلى رمض … وأن يكون له غير الربيع أبا

لمن سنا الشمس إن أضحت مشكلة … فيه لمن نفحات المسك إن كذبا

وكيف يصدقني منك الرجاء ولا … أجزي ثناءك إلا المين والكذبا

ودون ما أنا من نعماك محتمل … ما أنطق الصخر أو ما أنبط القلبا

حاشى لقدرك أن أزجي الثناء له … دعوى وأهدي إليه الدر مغتصبا

لكنها همم أنشأتها نعما … تشاكها بنفيس القدر فاصطحبا

ولست أول من أعيت بدائعه … فاستدعت القول ممن ظن أو حسبا

إن امرأ القيس في بعض لمتهم … وفي يديه لواء الشعر إن ركبا

والشعر قد أسر الأعشى وقيده … خبرا وقد قيل والأعشى إذا شربا

وكيف أظما وبحري زاخر فطنا … إلى خيال من الضحضاح قد نضبا

فإن نأى الشك عني أوفها أنذا … مهيأ لجلي الخبر مرتقبا

عبد لنعماك في كفيه نجم هدى … سار بمدحك يجلو الشك والريبا

إن شئت أملى بديع الشعر أو كتبا … أو شئت خاطب بالمنثور أو خطبا

كروضة الحزن أهدى الوشي منظرها … والماء والزهر والأنوار والعشبا

أو سابق الخيل أعطى الحضر متئدا … والشد والكر والتقريب والخببا

سبكته عامري السنخ منقطعا … إليك من سائر الآمال منقضبا

فحق للعلم أن يزهى به فرحا … وحق للشعر أن يشدو به طربا

فأحجم الدهر عن فتى أدب … قد حالف العز والأملاك والعربا

وبلغته المنى من حمير أملا … وأعلقته العلا من عامر سببا

فأضحت المنية الغراء لي وطنا … وأضحت الدعوة العلياء لي نسبا

وذللت لي أرض أينعت ثمرا … وظللتني سماء ملئت شهبا

وقد وجدت عياذ الله أمنني … في ذمة الملك المنصور ما حزبا

من شر تشغيب حسادي إذا حسدوا … وشر غاسق أيامي إذا وقبا

وقل عني أحزاب العدى ملك … معود أن يفل الجحفل اللجباأ

ويترك الملك الجبار مختلعا … عنه رداء العلا والعز مستلبا

مجدلا بجنوب الأرض منعفرا … ومشعرا بنجيع الجوف مختضبا

وقائد الخيل عم الجو عثيرها … ومادت الأرض من أهوالها رعبا

وصفوة الله من أنصار دعوته … ومن تنقى لنصر الدين وانتخبا

موف على الرتب القصوى مدى فمدى … ووارث الملك قحطانا أبا فأبا

حيث اعتزى فخر إسماعيل في سلفي … هود وحيث تلاقت خندف وسبا

من كل قرم غدا بالمجد مشتملا … ومستقلا بتاج الملك معتصبا

ألقت إلى يده الدنيا أزمتها … فأحرز الأرض ملكا والعلا حسبا

مستحقر لعباب البحر إن وهبا … ومستكن بركن الحلم إن غضبا

كأنه والمنى تسعى إلى يده … صب تنسم من نحو الحبيب صبا

فليشكر الله يا منصور منك يدا … كشفت عني بها الأحزان والكربا

وطالما لاذت الدنيا بحقوك من … خطب ألم فسكنت المعقل الأشباء

وكيف يخلف منك الظن ما رغبا … أو يعوز المجد في كفيك ما طلبا

وقد غدوت الآمال الورى أمدا … وقد غدوت لأفلاك العلا قطبا

وأنت بحر الندى لم يأل أن عذبا … وأنت حزب الهدى لم يعد أن غلبا

كلمات: الأخوين رحباني

ألحان: فلكلور

1960